في تلك الليلة الباردة التي غادرت فيها أرض الوطن حزنا متجها فيها إلى العاصمة التركية "أنقرة" والتي كانت ربما بداية جديدة للحياة ، بداية لا أعلم عنها شيء، إلا أنها بدأت من مطار الملكة علياء وانتهت في مطار أنقرة الدولي، وصلت رحلتي في وقت متأخر من تلك الليلة.
غادرت مدرج الطائرة وكان في استقبالنا أحد أفراد الأجهزة الأمنية التركية بالزي المدني، كان يميز بين من يريد أن يصطحبهم حسب المزاج أو ربما الشكل، دقائق كانت قادره أن تثبت لنا نسبة العنصرية والتفرقة بين جنسيات الأشخاص القادمين للبلاد، بعد أن انتهت إجراءات التدقيق الأمني، أكملنا مرحلة ختم الجواز لكي نخرج بعيدا عن بوابة المطار لانتظار من يريد استقبالنا، كان البرد قارسا جدا بالخارج ربما لا يكاد يطاق، أتاني من كنت أنتظره للقدوم، بدأنا المسير اتجاه وسط العاصمة لمنطقه تسمى كزلاي التي كانت مقر لإقامتنا، ورغم كل ما حدث من صعوبات لكني لا زلت متحمس للصباح لكي اتجول داخل المنطقة لاكتشاف تفاصيل المدينة الجميلة.
أتى الصباح الغائم المحمل بالأمطار، خرجنا من مكان اقامتنا لنتجول فرحا بجمال المنطقة وعلى ما تحتويه من أماكن كانت كاللوحات الفنية المرسومة من وحي الخيال. رغم تفاصيلها الجميلة، الا ان وطني كان بنظري ينافس كل عواصم العالم بدفئه وجماله.
تمنيت بعدها أن اعود للوطن، الوطن الذي ولدت فيه وكبرت فيه، وطني الذي كان اصغر المعالم فيه تعيدني لحنين الماضي.
شاءت الاقدار ان يصاب العالم اجمع في وباء كوفيد- 19 وكانت موجه الأولى التي تضرب العالم وارهقت اقتصاداتها، وماسببته من اغلاق كامل لكافة المجالات، منها الجوية والبرية الا ان الوطن لن يخذلنا، ولا ننسى موقف جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله، الذي كان كالاب الحاني على أبنائه الذي أوعز بإجلاء الطلبة الأردنيين على نفقته الخاصة لعودتهم لأحضان الوطن والذي كان لي نصيبا من رحلات الاجلاء.
ربما كان اختيار العودة للوطن شوقا، لكن بعد فوات الأوان تبين لي أن الوطن ليس لنا، بل كان للمسؤولين وأبنائهم فقط، كم تمنيت بعدها ان أعود لغربتي مره اخرى رغم الصعوبات التي واجهتها.
ستعلم أن الغربة ليست غربة البلدان، بل الغربة الأصعب هي ان تكون غريباً داخل وطنك. الوطن يمثل قلب الأم التي لن تخذل أحد من ابنائها، بل نحن من كنا نخذلها ولا زلنا مستمرين بخذلانها.
وطني الحزين، أصبحت الهجرة هي الوسيلة الوحيدة لكي يستطيع الشخص أن يبدأ حياه جديده، بعيدا عن الظلم الواقع الذي ارهق حياة الصغير قبل الكبير، ما ذنبك ان تبقى وحيدا كذلك، هل ذنبك انك كنت الحضن الدافئ الذي اشعرهم بالأمان فخذلوه.
اعان الله الوطن على من خذلوه...
حفظ الله مليكنا ووطننا ومتعنا بأمنه واستقراره تحت ظل الراية الهاشمية الخفاقة...