نشاطات مراكز الأبحاث في السياسة الخارجية
د.محمد المومني
15-02-2023 12:19 AM
ينشط عدد من مراكز الأبحاث الأردنية مؤخرا في محاولة لإنتاج أوراق سياسات أو تقدير موقف للتحديات الخارجية التي تواجه الأردن، بالتحديد الخطر الذي يترتب على وجود حكومة يمينية اسرائيلية وصفت انها الأكثر تطرفا في تاريخ اسرائيل. شخصيا شاركت الشهر الماضي بثلاث من هذه النشاطات مع ثلاث مراكز ابحاث مختلفة، مراكز الابحاث تدعو خبراء ومختصين، وممارسين سابقين وحاليين، لتقييم الموقف ومدى خطورته، ووضع بدائل وسياسات امام صانع القرار لتعينه في جهوده للحفاظ على المصالح الأردنية. النشاط والجهد بحد ذاته شيء طيب ومفيد، فنحن في العالم العربي محرومون الى حد كبير من انتاجات من مراكز ابحاث تعين صناع القرار، بعد أن باتت اعمال مراكز الابحاث وإنتاج أوراق السياسات جزءا اساسيا من أعمال عواصم عديدة منها واشنطن ولندن وبروكسل، وفي اسرائيل ايضا العديد من هذه المراكز البحثية المتخصصة في انشاء الافكار واوراق السياسات والبدائل.
ما يسجل لهذه النشاطات انها في الغالب تدار من مراكز وذوات على قدر من الخبرة والدراية، مارسوا او اشتبكوا مع اعمال مراكز الابحاث محليا وعالميا. ثانيا، تعمد هذه المراكز على الاتيان بطيف متعدد متنوع من الخبراء يمثلون مختلف الاطياف السياسية والايديولوجية وهذا امر تقديري خاضع للنقاش والتقييم ولكن بالغالب ثمة حرص على التنوع. ثالثا، يكون في دولة كالأردن مساحة محترمة من الحرية في تبادل الآراء والأفكار دون خوف او توقع لعقوبات او اعتقالات كالتي تحدث في بلدان عربية اخرى، فالجميع يستطيع الى حد كبير التحدث بما يراه ضمن سقوف محترمة من التعبير على الرأي. واخيرا، فيسجل لهذه النشاطات ان نتاجاتها تصاغ من قبل خبراء يقدمون مادة مفيدة للباحثين ولصناع القرار على حد سواء، قد لا يؤخذ كل ما فيها من اقتراحات، ولكن بالنهاية تكون قد زودت جمهور المتابعين بمادة واقتراحات فعلت فعلها بالتأثير بالقرار وتوجيهه وزيادة عمق وعيه.
أما ما يسجل عليها فليس بالقليل ايضا، حيث في احيان تتحول الجلسات النقاشية لجلسات عصف ذهني بلا بوصلة محددة ولا هدف تسعى للوصول اليه، تكون عبارة عن تمرين ذهني بلا طائل يشتت النقاش ويبعده عن اهدافه. ثانيا، يعجب المرء احيانا من حجم اللاواقعية والخيالية والاغراق بالأدلجة من قبل بعض المشاركين، وهذا حقهم من حيث المبدأ، ولكن ملفت ان ترى يسارا ما يزال يعيش بالخمسينيات في مقاربته الخارجية، ومن تطور منه وصل الثمانينيات وبالكاد التسعينيات، ونفس الشيء ينطبق على اليمين وبعض الوسط. اخيرا، قد يفقد بعض المشاركون الوعي بحقيقة انه من غير المطلوب منهم التوافق على رأي بالنيابة عن اطياف المجتمع، وانما التفكير ووضع بدائل امام صانع القرار، ويفرض هذا الواقع نفسه عندما تجد المشاركين يعرفون المصالح التي يسعى صانع القرار للدفاع عنها بطرق متباينة ومتناقضة.
مراكز أبحاثنا تقوم بأدوار محترمة لكن ما يزال امامها مساحة من العمل للتقدم والنهوض.
(الغد)