بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى:

(40) وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ } صدق الله العظيم
سورة يس

اشار الله عزوجل في القران الكريم الى السفن بالفلك قال تعالى:
{ اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }
صدق الله العظيم الجاثيه (12)
وقد وردة ذكر (الفلك) في القران الكريم 23 مره في 23 آيه في السور التاليه:
البقرة ، الاعراف ، يونس ، هود ، ابراهيم ، النحل ، الاسراء ، الحج ، المؤمنون، الشعراء ، العنكبوت ، الروم ، لقمان ، فاطر ، يس ، الصافات ، غافر ، الزخرف ، الجاثيه.
وقد وردة اشارات اخرى الى السفن {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ } في سورة الرحمن وفي سورة الشورى.
و ذكر اسم سفينه مرتين بسورة الكهف .
وعوده الى الايات الكريمه موضوع البحث
(40) وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)
يس
اشارت الى سفينة نوح.... المعجزه التي خصها الله عزوجل بسيدنا نوح عليه السلام ومن اهم ما تميزت به سفينه نوح سعتها التي حملت وآمت ازواج الدواب والطير التي اراد الله عزوجل ان تحفظ بها استمراية سلاله الكائنات التي تسبح باسمه وحمده تبارك وتعالى .
ويجمع الؤرخون أنه حين فاضت الارض كلها بالماء وزاد ارتفاعها عن الجبال الشاهقه لم يبقى في الارض سوى سيدنا نوح عليه السلام ومن معه في السفينه، فكان طفوها وسيرها وثباتها معجزه كما ورد في سوره هود: { وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}
صدق الله العظيم

فكانت تسير وتثبت بامر الله عز وجل.
اضف الى ذلك فإن ما تميزت به السفن ومنذ الازل أنها كانت تصنع من الاخشاب. فالخشب بطبيعته الفيزيولوجيه يطفو على سطح الماء ويطفو ما عليه من بشر وسلع ومواد.
فكما هو معلوم فإن الخشب هو مادة سيليوزيه وتصنيفه الانشائي (vescoelastic) مما يجعل قدرته على تحمل قودة الشد والضغط محدوده .الامر الذي حد من امكانيات التوسع ببناء السفن في الحجم والسعه فلم تزد عدد صواري السفن حتى منتصف القرن التاسع عشر اكثر من ثلاثه صواري ولم تزد طول السفن عن بضع عشرات الامتار حتى لا تتحطم من قوة الرياح وارتطام الامواج فتغدو كصندوق خشب يضغط من كل الجوانب.

وكانت السفن حينها رهينة حركة الرياح فإذا هبت الرياح إمتلأت الاشرعه المصنوعه من القماش المقوى وسارت معها السفن والعكس صحيح فإذا خمدت الرياح جثمت معها السفن في مكانها . وتجدر الإشاره أن ملاحي السفن كانو على دراية بالرياح الموسميه الدوريه التي تهب في البحار والمحيطات فكانو ينظمون اسفارهم البحريه تبعاً لتلك التوقعات.
ان هذا الحال للملاحه البحريه إمتد عبر القرون والازمان الى أن استبدل الخشب بالحديد كمادة اساسيه لصناعة السفن في منتصف القرن التاسع عشر الماضي اي قبل 150 عام مضت.
ويسأل سائل كيف يمكن للحديد ان يطفو ؟؟؟ فهو كسائر المعادن الثقيله تغطس بالماء ولا تطفو. كيف يمكن ان تصنع السفن من الحديد الذي هو اكثف بكثير من الماء ؟؟؟
والجواب على ذلك بأن قانون الطفو والمعروف بـ (BUOYANCY) الظاهره الطبيعيه المخلوقه امكن صناعة السفن من الحديد ما دام الوزن الحجمي للجسم المغمور اقل من وزن حجم الماء.
ان هذه الظاهره التي اكتشفها العالم اليوناني (ارخميدس) قبل 2000 عام اسست بما يعرف بعلم الطبيعه بالكثافه وقد اعتمدت كثافة الماء معيارً لكثافة الاجسام فإن قل عنها طفى وإن زاد إنغمر وغطس.
وبالحديث عن الكثافه تجدر الاشاره بأن الماء حين يتجمد ويصبح جليد يتمدد بدلاً من أن يتقلص وبذلك يصبح وزن حجمه او كثافته اقل من الماء بـ (9%) .
ان هذه الظاهره التي خصها الله عزوجل بالماء والجليد فقط تنم عن عظمة الخالق في خلقه فلو تقلص الجليد وغطس في قاع البحار والمحيطات لتجمدت ونفقت الكائنات الحيه من اسماك ونباتات بحريه.

ان استعمال الحديد في صناعة السفن جاء متزامناً مع بداية الثوره الصناعيه التي كان الحديد اساسها كماده انشائيه دخلت في جميع مناحي الحياه.
فالحديد هو من اقوى المعادن على الاطلاق ويتميز بقدرته على التشكيل بالاضافه الى الطرق والسحب مما جعل من هذا العنصر عامود الارتكاز للثورة الصناعيه بكافة اشكالها وأطيافها . ولقد تزامن مع الفترة ذاتها توليد الكهرباء من المغناطيس الذي هو رابع اكسيد الحديد او ما يعرف ب ( المغناتيت) Fe3O4
مما خلق ثوره نوعيه في العدد والادوات والآلات التي تدار بالكهرباء مما سهل استعمال الحديد ذاته في كافة الامور الإنشائيه ويحضرنا هنا في هذا السياق ذكر الجلاله ...
{ .. وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..} صدق الله العظيم
الحديد (25)
وعوده الى المشهد الثاني في الذكر الحكيم والذي هو موضوع بحثنا
(41)وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ }
صدق الله العظيم

يجمع الفقهاء و المفسرون كافه بان تفسير الايه هيًًًٍٍٍ( السفن التي جعلت من بعد سفينه نوح عليه السلام) .

ومن الناحيه العلميه والعمليه فإن الايه الكريمه تلقي بظلالها على واقع الملاحه البحريه المعاصره كالتالي:
1- نقل الركاب والمسافرين بحراً
اصبح بالامكان انتاج سفن عملاقه يأمها آلاف المسافرين وتحتوي على مئات الغرف وتضم ملاعب وقاعات وكأنها ابراج شاهقه تطفو وتسير على سطح الماء .
ناقله ركاب

2- نقل البضائع وكافة المواد الاوليه.
من المعلوم ان التجاره البحريه تشكل (90% ) من التجاره الكونيه بين شعوب العالم في الدول والقارات . ويصفها الخبراء بأنها دم وشريان الاقتصاد الكوني هذه الايام. ويكفي ان نستعرض حجم وإنتاج السلع الرئيسيه للمواد التاليه :
البترول الخام
مشتقات البترول بما فيها الغاز الطبيعي
الفحم
الحديد الخام
المواد السائبه كالحبوب والاسمنت
الحاويات وما تحمل من بضائع مغلفه

ناقلة حاويات

ويقدر عدد السفن التي تتكون من الاساطيل البحريه التجاريه في العالم بـ 50540 سفينه حسب اخر تقرير عالمي نشر في اوكتوبر 2010 موزعه كالتالي:

As of 31st October 2010, the world fleet was made up of 50,054ships.
Different sectors as percentage of total number of ships in world fleet: October 2010

Source: IHS Fairplay October 2010
Figures in brackets are numbers of ships, by sector. توزيع اعداد السفن حسب نوعية السلع
General Cargo Ships (16,224) سفينه متعددة الاغراض 16,224
Bulk Carriers (8,687) سفينة نقل مواد سائبه 8,687
Container ships (4,831) سفينة نقل حاويات 4,831
Tankers (13,175) سفينة نقل نفط خام 13,175
Passenger ships (6,597)سفينة نقل ركاب 6,597
________________________________________
TOTAL (50,054) المجموع 50,054

واذا اخذنا بلد مثل اليابان على سبيل المثال وليس الحصر والذي يعد اقتصاده ثاني اكبر اقتصاد في العالم
فهو من اكبر مستوردي النفط الخام والحديد الخام ومن اكبر مصدري السيارات والالات الثقيله والاجهزه الكهربائيه في العالم ، فالموانىء اليابانيه تامها ناقلات النفط العملاقه حاملةً ملاين البراميل من البترول الخام في الشحنه الواحده يومياً إضافةً الى الخامات والمواد الاوليه الاخرى وبالمقابل هناك عشرات السفن التي تبحر من اليابان حاملة البضائع المصنعه من سيارات وكهربائيات وعدد وادوات .

ناقلة نفط عملاقه

وهذا الامر ينطبق على كافة الدول الصناعيه الكبرى في اوربا وامريكا الشماليه والصين ودول العالم الاخرى.
وفي تقرير ( ( UNCTED مؤتمر التجاره والتطوير المحفل الدولي المنبثق عن هيئة الامم المتحده بأن اجور الشحن البحريه السنويه في العالم تقدر بـ 380 مليار دولار سنوي وتشكل 5% من قيمة التجاره البينيه في العالم اي ان حجم التجاره الدوليه يزيد قليلاً عن سبعه آلاف بليون دولار.
وفي تقرير لنفس المنظمه عام 2008 يظهر ان حجم التجاره البينيه في العالم بلغ 7.7بليون طن او ما يعادل 32 بليون طن / ميل اي حجم التجاره مضروب بالاميال التي قطعتها الاساطيل البحريه التجاريه بذلك العام.

ان الرسم البياني التالي يبين حجم التجاره بالاطنان مضروباً بالاميال المقطوعه بحرياً من السنوات من 1970 وحتى 2010 تقريباً مبيناً كالتالي: وتشمل النفط الخام ومشتقات النفط والحديد الخام والفحم والحبوب والبضائع الاخرى. وفي قرأه لهذا الرسم البياني فإنه يظهر حجم ونمو التجاره العالميه والملاحه المتعلقه بها ويشمل ذلك كافة السلع بلا استثناء وان دل ذلك على شيء فإنه يدل على دور الملاحه البحريه المعاصره في التطور الصناعي والحضاري الذي تشهده الانسانيه هذه الايام.

مأخوذ من ( UNCTED) منظمة التجاره والتطوير العائده لهيئة الامم المتحده

وفي الختام فإن المشاهد التي وردت في الايات الكريمه موضوع البحث تحاكي واقعنا العلمي والعملي إبتداءً من ايام سيدنا نوح عليه السلام وحتى يومنا هذا. فمن الفلك {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلامِ } التي تجرها الرياح .....بإمتلاء الاشرعه الى السفن العملاقه.... التي تديرها التورينات والفراشات الحديديه الضخمه.
ان هذه المواعين العملاقه التي اشار الله عزوجل اليها (41)وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) هي مصنوعه من الحديد ببأسه ومنافعه . والتي اشار الله بها عزوجل { .. وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ..} ان هذا النسيج القرآني التام الكامل المتكامل جاء ليسلط بنوره ويلقي بظلاله على كافة مناحي الحياه الانسانيه للناس كافه عبر العصور والازمان.
"وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو فضل عظيم"