حديثة الخريشا .. بناة الدولة الاوائل
محمود الزيودي
14-02-2023 02:18 PM
شرفوني الخرشان بالدعوة للحديث في حفل اشهار الطبعة الثانية من كتاب المجاهد حديثة الخريشا الذي صدر في طبعتين حتى الآن.. اثمن جهود الباحث الكاتب المهندس فتحي الخريشا في رحلة البحث بين الوثائق في الصحف والمراجع وذاكرة الرواة. لا شك انه أقام بناء سيبقى تراثاً للأجيال التي تدرس حياة الرجال الأوائل الذين بنو شرق الأردن من إمارة ناشئة الى مملكة أخذت مكانها في الوطن العربي والعالم.
مما ورد في الكتاب وما قرأته وسمعته في جانب من سيرة حديثه هو التصرف كرجل مسؤول عن السلم المجتمعي وحفظ الأرواح. كما هو الحال في صلحة البدو والفلاحين في رحاب. ووساطته لأنهاء مشكلة جيرانه في سحاب مع الدرك البريطاني. وهو يقدر أن الإمارة الوليدة لا تحتمل التغاضي عن الانشقاق والتمرد. فيخبر رأس الدولة عن دخالة كليب الشريدة ورفاقه في حماه. وهو يعرف ميزة العفو التي امتاز بها الأمير الملك المؤسس.
وقد تابع حديثه حالة كليب الشريده وماجد العدوان من بعده حتى حصل على العفو عنهم وعادوا نسيجا متميزا في خدمة وطنهم.. نقل المؤلف عن زكريا محادين ما نقله عن سليمان موسى عندما ترجم ونشر كتاب غربيون في بلاد العرب في عقد السبعينيات وفيه فبركة الرحالة وليم سيبروك لحكاية مهرة حديثة وغوير.. ألخصها لمن لا يعرفها.. كان في مربط خيل حديثة مهرة أصيلة طمع بها شخص اسمه غوير.. عرض على حديثة شرائها وأجزل في الثمن.. رفض حديثة بيع المهرة فعرض عليه غوير ان يزوجه ابنته الجميلة مقابل المهرة ورفض حديثة... أنذره غوير أنه سيحصل على المهرة بأية وسيلة.. سافر حديثة الى الشام وكمن له غوير على الطريق متنكرا بهيئة رجل جريح يطلب المساعدة.. اركبه حديثة على المهرة اياها وعرض غوير على حديثة أن يعطيه بندقيته الثقيلة ليحملها عنه.. بعد أن حصل على البندقية ركض بالفرس ثم استدار متوقفا وكشف عن نفسه مذكرا حديثة بانذاره السابق.. طلب منه حديثة أخذ الفرس وكتم الأمر عن الناس حتى اذا سمعوا بالقصة يتوقفون عن مساعدة جريح او مريض على الطريق.. حينما نشر سليمان موسى الترجمة أخذت الجريدة وشديت عليها ونحرت الموقّر. قرأتها للمرحوم نايف الخريشا لأن الحكاية لم تدخل عقلي. قال لي ابو الشايش.. ابوي اذا طلع مشوار لعمان أو السلط يطلع معه 15 خيال وأزود. كيف وهو مسافر للشام مثل ما يقولوا بالجريدة؟؟؟ اذا لقي مقطوع بدربه يطلب من عبيده واخوياه يردفوه معهم.
وأضيف أنا ان الحكاية عدم احترام لعقل القارئ من الذين يعرفون حالة المجتمع الأردني زمن الحكم العثماني.. فأي فارس يعطي بندقيته وفرسه لغريب حتى لو كان جريحا؟؟؟.. أعتقد ان سيبروك سمع الحكاية من حديثة عن شخص آخر في زمن بعيد. فنسبها لحديثة. وقد خلط سيبروك بين الواقع والخيال في قصة قطنة الفواز السردي وزوجها ابن فايز من بني صخر.. تفضل دولة الرئيس فيصل الفايز وأعطاني نسخة من كتاب سيبروك الذي ترجم وطبع في دمشق بمطلع هذه الألفية..
يقول المؤلف ان ابن فايز كان يضرب زوجته قطنه الفواز بالكرباج وهي ترتدي قميصا حريريا خفيفا.. فأي رجل يتحدث للآخرين عن ضرب زوجته حتى يسمع سيبروك ويكتب في كتابه؟؟؟ هذه حكايا تصلح لسينما الاثارة أكثر ما تصلح للتوثيق.. سمع المرحوم الدكتور كليب الفواز بالكتاب فطلب مني تصويره له عندما كان يعد كتابه أمراء حوران.. وأخبرني أن الكتاب خليط من الحكايا التي لا يصدقها عقل عربي..
قلت له أعتقد أن سيبروك فبرك تلك الحكاية للفت انتباه السينما الأمريكية الصاعدة في ذلك الزمن لعلها تنتج شيئا من قصص كتابه. وهذا يذكرنا بمبالغات وأكاذيب لورنس في كتابه أعمدة الحكمة السبعة.. فقد سافر على ناقته من العقبة الى السويس ليخبر الجنرال أللنبي انه فتح العقبة وطرد الأتراك منها.. بينما فاتح العقبة هو عودة ابو تايه والشريف ناصر بن علي... وقد انكسرت ساق ناقة لورنس في معركة منط الخضرا قبل العقبة بمسافة وأعطاه عودة جملا من ركائب رفاقه ليواصل حركته مع الفاتحين العرب..
قلت في كلمتي باشهار كتاب المجاهد حديثة الخريشا.. انني انزّه حديثة عن السذاجة حتى تنطلي عليه حيلة غوير.. وهو الرجل الذي استقبل سلطان الأطرش أول ما نزح من جبل العرب.. واشترى السلاح للفلسطينيين وأعاد لهم النقود التي أرسلوها.. وتلك بعض من خصال الفارس المجاهد حديثة الخريشا الذي أبحرنا في تاريخه عبر الكتاب وحفل اشهاره..