طوى الموت حياة السيدة ناديا هاشم العالول وأُسدلت الستارة بذلك على مسيرة امرأة أردنية عربية وفلسطينية وزيرة وكاتبة وأديبة وقاصّة وسيدة أعمال وناشطة متطوعة لخدمة الإنسان في الأردن الحبيب مدفوعة إزاء ذلك كلّه بصدق انتماء وخالص ولاء كان هو الحافز الأهم في كل ما قامت به ناصحة وموجّهة ومُحلّلة وصاحبة رأي في قضايا محلية ووطنية واجتماعية إذ كانت مؤمنة بأهمية الكلمة باعتبارها صورة من صور النهضة والرقيّ في حياة الشعوب، ولطالما كانت رحمها الله تردد أنه وكلّما كثرت الكتابة النافعة كلّما دلّ ذلك على ثقافة الشعب وحضارته المتجذّرة، وإنّ الكتابة هي شكل من أشكال التّعبير عن الإبداع؛ وأن المبدع هو القادر على إفراز مخزونه الإبداعي والثقافي في شكل مكتوب على الورق.
ناديا هاشم العالول التي نكتب عنها اليوم بصيغة الماضي انطوت حياتها على الكثير من دلالات النجاح وعلامات التميز ما جعل منها مثلًا أعلى وقدوة لمن أراد أن يمتطي صهوة الصدارة والمنزلة الرفيعة بين فئات المجتمع الأردني، إذ استطاعت ان توظّف خبراتها في تميز أدائها الذي امتد لعقود طويلة وعبر جميع محطاتها في القطاعين العام والخاص والعمل التطوعي، وجميع أعمالها كانت تتكئ فيها على ثقافتها الموسوعة وعلمها الغزير في الرياضيات الذي نالت منه قسطًا وافرًا من الجامعات البريطانية ترجمة لقناعاتها بأن العلم هو السبيل الوحيد الكفيل بأن يقود المجتمع من حالة الى حالة أكثر ازدهاراً وتقدما وتنافسية بين دول العالم المتحضر.
تنتمي الراحلة ناديا العالول إلى عائلة عربية من عائلات مدينة نابلس في فلسطين، وهي عائلة هاشم التي أنجبت رجالات تسلموا عدة مواقع في الأردن وفلسطين، ولعل أبرزهم الراحل ابراهيم هاشم الذي شكل الحكومة الأردنية ثلاث مرات، وهي من مواليد مدينة نابلس لعائلة جُلّ رجالاتها كانوا من المثقفين والقضاة والمعلمين التي شكلت لها وفي مراحل مبكرة من عمرها، قاعدة صلبة لتنشأ في بيت جمع العلم والدين والسياسة، وكان ذلك من أبرز مكونات شخصيتها الثقافية العامة حين بدأت منذ تلك اللحظات تتردد على مكتبة "القطب" لشراء بعض الصحف مثل جريدة الدفاع وجريدة فلسطين وغيرهما، وكانت تمكث فترات طويلة في المكتبة لتصفح المجلات، وبراءة الكتب، لتكتشف أن بداخلها شغفًا وحبًا للصحف والمجلات وما يُكتب فيها.
عبر صفحات جريدة الرأي الغرّاء قامت العالول بكتابة العشرات بل المئات من المقالات ذات الطابع التحليلي والرؤية المعمقة في قراءتها وتفسيرها للأحداث، ورأيها في العديد من القضايا والظواهر التي يعاني منها المجتمع، كما أبلت في موضوع المرأة بلاءً حسنًا وقامت بإعداد العديد من الدراسات المتخصصة في حقوق المرأة ودورها في إحداث الفرق والتغيير، وترأست العديد من الجمعيات التي تُعنى بالديمقراطية والمرأة وحقوق الإنسان، وحرصت على الحضور والمشاركة الفاعلة في عشرات المؤتمرات واللقاءات والندوات وورش العمل خاصة تلك التي تتوافق مع اهتماماتها بشؤون المرأة.
ماتت ناديا العالول والموت حق، وللإنسان عقب وفاته حياة أخرى تجسدها أهمية حضوره وإرثه الذي تركه من بعده ليشكل أمام الناس مادة خصبة تصلح للبناء عليها والاستئناس بها في قضايا وموضوعات شتى، وأحسب في هذا الصدد أن الفقيدة قد نهضت بما عليها بأمانة ومسؤولية ما يُبقي حضورها طاغٍ وسيرتها وضّاءة منيرة.
Ahmad.h@yu.edu.jo