جلس بجانب شوال الزيتون ، ينتظر أن تفتح المعصرة أبوابها ، وما هي إلا دقائق حتى حضر صديقه "أبو نشأت" وهو يجر شوالين ملأهما بالزيتون ، فنهض مسرعا للسلام عليه ، وأفسح له مكانا للجلوس بجانبه .
التفت " أبو نشأت " وقال ، خير " أبو زيد " بس شوال زيتون ، أسرع بالإجابة : هاي السنة مش غلال ، راح يكون الزيت ثلثه من غلة السنة ، وثلثينه من غلال السنة الماضية .. والقطف القديم من الزيتون بدي أعمله رصيع .. والزيتون قطف جديد بشطبه ، وهيك بكون نوعت ، وجددت .. ومثل ما يقال " اضحك على العين ، لأنه العين إللي بتاكل ".
انتفض "أبو نشأت " وقال : أنا زيتوناتي أغلبها قطف قديم ، على شوي قطف جديد ، ومال على " أبو زيد " وهو يقول له : بيني وبينك ،" أغلبهم مجربين" ، وإذا مش مرة مرتين.. علشان هيك لا بنفع رصعهم ولا بنفع معهم التشطيب ، فقررت أن اتركهم على حالهم " حبة كبيرة " وأكلسهم ، يعني أضيف لهم الكلس ، حتى أحافظ على شكلهم أطول فترة ممكنة.
شد " أبو زيد" على يد " أبو نشأت " ، وهو يقول له : اسكت .
وصل " أبو غيث" ، وأسرع بإلقاء التحية على " أبو نشأت " ، الذي بادر بتوجيه سؤال له : شو بشوفك جاي واديك فاضيه ، رد : الشباب وراي ، حاملين الشوالات .. ما إحنا خلص شبه اتفقنا أن أتولى أنا عصر الزيتون.. أسرع "أبو زيد" بسؤاله : كم شوال ، أجاب : 4 شوالات .
ازاح " ابو زيد " وجهه، وهو يتمتم ، رد " أبو غيث " بالقول : خير ، شو بتقول ..ابتسم " أبو زيد " وهو يقول : لا ، بقول ، ما شاء الله ، فيهم البركة! .
لحظات ،حتى وصلت الشوالات الأربعة محملة على أكتاف مجموعة من الرجال والنساء والشباب وكبار السن والطاعنين ، أنزلوا الحمل ، وغادروا مسرعين ، غير ملتفتين إلى ما وضعت أيديهم ، جلس " أبو غيث " بجانب الشوالات ، بانتظار أن تفتح المعصرة أبوابها .
نظر " أبو نشأت " نحو الشوالات الموجودة بجانب " أبو غيث" وقال له : زيتوناتك قطف جديد ؟ أجاب : أول قطفه ، وفي شوي قطف قديم" عتقية " .. بادر " أبو زيد" بتوجيه سؤال له: كبيس الزيتون؟ ، بأمتعاض أجاب " أبو غيث " ، لا عصر ، خيوه.
نظر " أبو زيد" إلى " أبو نشأت " وغمزه ، وهو يوجه الكلام ل "أبو غيث" ، ليش يا رجل ...شَكلهم ، نُص كبيس ، ونُص عصر .. هز " أبو غيث " رأسه ؛ وهو يجيب " اريح لراسي ، من أولها كله عصر" .. خاصة أن أغلبه مشكوك بطريقة قطفه ..قاطعة " ابو زيد" : بتخاف يا رجل تكون بينهم حبة زيتون خربانه ، بتخرب طعم الزيت ..
وقف " ابو غيث " ونفض يديه ، وهو يقول : ما عليك يا زلمة ، العبره بالخواتيم ، الك بالنهاية تشوف زيت صافي ، مش عكر..." بلمع "، مثل ما بيقولوا "من المعصرة للسفرة .. على طول".
ما هي الا دقائق ، فتحت المعصرة أبوابها ، ودخل " أبو نشأت "كونه الأكبر سنا بينهم ، وبعد أن أكد له صاحب المعصرة أن "زيتوناته ناشفات ما بنفعوا زيت" ، رصعهم وكبسهم بمادة الكلس حتى يضمن ان لا تهلط الحبة من كبرها ، وليحافظ عليها يابسة أطول فترة ممكنة ..
وفي هذه الأثناء ،أخذ " أبو زيد" يفصل زيتوناته ، الكبيرة على جال ، والصغيرة على جال آخر، أما " أبو غيث " احتار في بداية الأمر ، وبعد قليل رتب شوالاته ، وفرز حبات الزيتون ، الخضراء لحالها ، والحبة السوداء لحالها ، والحبة المرتوية بالماء على جال؛ بعيد عن تلك الحبة الناشفة ..وفكر قليلا ، ثم عقد العزم على عصر جميع الشوالات .
.. بعد التوكل على الله ، عصر " أبو غيث " زيتوناته ، ووضع قليلا من الزيت في كوب ، وأخذ يتغزل في الزيت ، وهو يقول : شوفوا لونهم مثل الذهب ، قال " أبو نشأت " اللون مش مهم ، الأهم الطعم .
قال " أبو غيث " ، أتفضل ذوق ، أخذ " أبو نشأت " قليلا من الزيت وذاقه ، فوجده مرا ، قال : الله أكبر ، مر .. أسرع " أبو زيد" بتذوق القليل منه ، وقال : صحيح أن زيتاتك ، مُرين يا " أبو غيث " ، بس ما تخاف ، بَيتهم سنة ، بروح منهم المرار ، ومثل ما قالوا كبارنا "بعد سنه بصير ، عزهم للاستهلاك " .
خرج " أبو نشأت " بمعية " أبو زيد " وبصحبة " أبو غيث " من " تحت القبة " عفوا أقصد المعصرة ، كل يحمل غلة السنة ، لوضعها على مائدة المواطن ، الذي ينتظر ان يتذوق إنتاجهم ؛ حينها يمكن أن يحكم على النوعية إن كان فيها مرارة أو حلاوة ..ومدى دقة تطابق قول..." نَقىْ عِينهم ، يا نَقى عِيني" على نقى عين" ابو زيد ".
ويبقى " زيتنا " ذهب الاردن الصافي عيار 24 ، لا نقبل أن يعكره مرارة من تسول نفسه ، أن ينتهز منصبه لغايات تصب ضد مصلحة الوطن...
jaradat63@yahoo.com