التعليم الدامج والبحث عن حلول مستدامة قابلة للحياة
نور الدين نديم
14-02-2023 12:37 PM
أين وصلنا في حركة إحلال "التعليم الدامج" حقيقة وواقع ممارس داخل مؤسساتنا التعليمة الحكومية والخاصة؟
يعرف التعليم الدامج بضمان حق جميع أبناءنا الطلبة (من ذوي الإعاقة) في الحصول على تعليم آمن من حيث: الوصول والحضور والمشاركة في المدارس، ومن حيث وجود كادر مؤهل من المعلمين القادرين على التعامل مع حالاتهم.
وبعيداً عن التجميل والمجاملة، خطت وزارة التربية والتعليم خطوات جيدة باتجاه تحقيق العدالة وضمان حصول الطلاب ذوي الإعاقة على حقهم في تعليم آمن.
لكن هذه الخطوات لم تحقق على أرض الواقع ما يرضي ذوي العلاقة من الطلاب ولم تحقق الأمن التعليمي لهم.
فلازال أبناؤنا الطلبة من ذوي الإعاقة يعانون من صعوبة القبول والتقبل في المدارس الحكومية، سواء بسبب غياب البنية الخدمية في المدارس، أو بسبب غياب التأهيل ونقص الكوادر القادرة على التعامل مع حالاتهم المختلفة، مما يدعونا أن نبحث جدياً عن حلول جذرية، تحقق ما ننظر فيه من تعليم دامج وحق الجميع في الحصول على تعليم آمن.
فالمجتمع بكل مجالاته اليوم في أمس الحاجة الى "تعايش دامج" حقيقي وليس فقط "تعليم دامج"، يستوعب فيه كل مكونات المجتمع مهما كان شكله أو لونه أو منبته وأصله أو حالته الصحية والنفسية.
كثير من أبنائنا الطلبة ذوي الإعاقة في المملكة يعانون من حرمانهم من حقهم في التعليم لعدم توفر بيئة آمنة، أو لتعرضهم للتنمر، أو لعدم قدرتهم على التفاعل مع المنهاج، أو لعدم تفهم المعلمين لحالتهم.
فمن أبسط حقوق أبنائنا الطلبة ذوي الإعاقة أن نهيئ لهم بيئة تعليمية آمنة، تمكنهم من ممارسة حقهم في التعليم، والالتحاق بالمدارس أسوة بزملائهم الأصحاء.
وإذا واصلنا مكابرتنا وإصرارنا على تجاهل المشكلة وإنكارها، فلن نتمكن من ايجاد الحلول لها، الأمر الذي يتطلب منا تحديد أسباب المشكلة أولاً، حتى نتمكن من وصف الحلول والعمل على تطبيقها.
وبما أن جميع العاملين والباحثين والمسؤولين عن التعامل مع هذا الملف قد أشبعوه وصفاّ وتحليلاً وتوصيات، فإن المشكلة والعقبات قد باتت واضحة للقاصي والداني.
أما الحلول وإن كثر التنظير في وصفها إلا أننا لازلنا نفتقر للحلول الواقعية القابلة للحياة، والتي تفتقر أيضاً للملاءة المالية والفطنة الإدارية والإرادة العازمة على إنفاذها ومنحها الأولوية.
فالعمل على بناء قدرات كوادر التعليم بالتوازي مع إزالة الحواجز والعوائق المادية التي قد تحول دون وصول الأشخاص ذوي الإعاقة وحضورهم ومشاركتهم في المدارس، وبناء مناهج تتناسب واحتياجاتهم وقدراتهم، من أهم الخطوات الواجب إنفاذها من أجل تقديم تعليم نوعي لهم ولجميع الطلبة.
فإحصاءات وزارة التربية والتعليم تشير إلى أن نسبة من تقدم لهم الخدمات التعليمية من الطلبة ذوي الإعاقة يقدر ب19.8% من عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في سن التعليم، ليتبقى أكثر من 80% من الطلبة ذوي الإعاقة لا تقدم لهم أي نوع من أنواع الخدمات التربوية والتعليمية، الأمر الذي يدق جرس الإنذار وينبهنا الى فجوة تعليمية حقيقية، نصنعها بتباطئ خطواتنا وضعف خططنا الإجرائية ويدفع ثمنها أبناؤنا الطلبة من ذوي الإعاقة.
وكلما تعمقنا في وصف المشكلة، كلما أدركنا سبب الوجع المتمثل بتقصير الجهة الرسمية المسؤولة عن التعليم عن تحمل مسؤولياتها بتعليم الطلبة ذوي الإعاقة وتهيئة البيئة المناسبة لهم وتوفير الكادر المؤهل للتعامل معهم.
ورغم أن مسؤولية توفير التعليم وفقاً للدستور والقانون تقع على عاتق وزارة التربية والتعليم، إلا أن المسؤولية لا تنحصر فيها، وإنما تتعداها للمجتمع بأسره الذي يتحمل مع مؤسساته المدنية جزءا من المسؤولية في صناعة ثقافة التقبل والاندماج وبذرها في نفوس الأبناء لتنبت فيهم تفهماً وتقبلاً للإختلاف وللآخر بشكل عام، ولذوي الإعاقة بشكل خاص.
وكنا قد تفاءلنا عندما أطلقت وزارة التربية والتعليم الاستراتيجية العشرية للتعليم الدامج (2030/2020)، إلا أن هذه الخطوة المتقدمة في مجال التخطيط الإستراتيجي، لا زالت تخطو ببطء في مسار الإجراء التنفيذي سواء في ما يخص تهيئة المناهج والكتب المدرسية لتناسب حالات الطلبة ذوي الاعاقة وقدراتهم، أو ما يخص تهيئة المباني، أو علاج نقص الكادر وتأهيل العاملين في قطاع التربية والتعليم، لنبقى عالقين بين جمالية التنظير والتخطيط المحكي والمكتوب وبؤس الواقع والتنفيذ المنقوص.
الحل لا تستطيعه جهة لوحدها، ولا يكون دون إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، وهذا لن يكون دون إجماع مؤسسي، برؤية وطنية جامعة، فلعلنا بحاجة لمؤتمر وطني لضمان حق التعليم للطلاب ذوي الإعاقة، يجمع الجهة الحكومية المسؤولة ممثلة بوزارة التربية والتعليم، والمجلس الأعلى لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ومؤسسات المجتمع المدني، وممثلين عن ذوي الطلاب، وممثلين عن كوادر العاملين في الميدان في القطاعين العام والخاص، للخروج باستراتيجية وطنية وفق أولوية قصوى، مدعومة مالياً وتشريعياً.