تحتاج اللحظة الاردنية قبل غيرها, بل وأولى من غيرها, الى التوقف مليا امام سيناريوهات المستقبل الفلسطيني, وخياراتها امام ذلك المستقبل الذي يميل السيناريو فيه الى لحظة الانفجار الكبير اكثر من اي سيناريو آخر, وقد تصدى مركز القدس للدراسات السياسية بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور, لهذه المهمة, على مدار ايام ثلاثة وبحضور خبراء من الاردن وفلسطين ومشاركة خبير الماني كميسر للورشة, التي شهدت حوارا عميقا ونوعيا, ربما هو الاكثر منهجية وحرفية تنظيمية مما شاهدت خلال المشاركة في كثير من هكذا ورشات عمل.
رغم طرح ثلاثة سيناريوهات محتملة, كانت على التوالي: «حافة الهاوية, الانفجار الكبير وسيناريو المخرج», كان المزاج العام للمشاركين اقرب الى سيناريو الانفجار الكبير الذي يعني المواجهة المباشرة بين الفلسطينيين والحكومة الفاشية المحتلة في فلسطين, انتفاضة ثالثة ستكون مسلحة بالضرورة, او فوضى عارمة في الضفة حال انهيار السلطة الفلسطينية المرجح في حال اقدام الحكومة الفاشية على مواجهة مباشرة مع الفلسطينيين وقواهم الحية والجديدة, وما سيرافق ذلك من تسريب بشري او هجرة الى الاردن, والاعتداء على الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية.
حدة التوتر ترتفع, واحتمالات التصعيد تتزايد, مع قرارات الحكومة الإسرائيلية بعمل عسكري على الحدود الغربية للاردن, مما يوجب استعدادا مبكرا للتعامل مع التطورات المتسارعة والخطيرة التي تتوالى على الضفة الاخرى لنهر الاردن, فحالة الانسداد السياسي تتفاقم, وحل الدولتين بات نكتة دولية سمجة, مع تآكل فرص قيام دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة, والقلق على امن الاردن واستقراره وعلى مستقبل هويته وكيانه بات مشروعا وواجبا, فضلا عن القلق على مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني ومصير السلطة الفلسطينية, مما يستوجب الاستعداد للتعامل مع مختلف الاحتمالات, واعادة ترتيب سلم المصالح والاولويات الوطنية.
دون شك كانت الاراء التي طرحها المشاركون مهمة وتنبع من الحرص الثنائي على الاردن وفلسطين, ليس بحكم تلازم المسارين الاردني والفلسطيني, بل بحكم العمق الوطني والتداخلي المصلحي والقومي, وبشكل ينادي بضرورة بناء تحالفات وتوافقات وطنية عريضة حول خيارات الاردن وبدائله للتعامل مع التطورات, واستحضار مكامن قوة الموقف الاردني وعناصر ضعفه ايضا, فليست الاوراق كلها بيد الاردن وليس الاردن وحده اللاعب الرئيس او صاحب القوة في تنفيذ ارادته, فأثر البيئة الاقليمية والعربية والدولية المتغيرة ستنعكس على الاردن حتما, لكن ذلك لا يعني اننا لا نمتلك اوراق قوة نستطيع تفعيلها, اذا ما كان الجهد متناغما بين الشعبي والرسمي, وتبادل ادوار ممنهج ومتوافق عليها.
وهذا يتطلب بالضرورة توسيع خيارات الاردن وتنويع ادواته في المواجهة, وثمة اسئلة تحتاج الى اجابات جريئة من الاردن, كي نمضي في مسار المواجهة على اساس تعزيز الصمود والمنعة الاردنية لمواجهة حكومة فاشة تتعامل مع الموقف العام بمضمونية مقلقة نتيجة حالة التشظي العربي والانشغال الدولي بملف الحرب الروسية الاوكرانية ولاحقا زلزال تركيا وسورية, وهذا فتح شهية الحكومة الفاشية الى اتخاذ قرار سريع بالمواجهة لغايات حسم الصراع مبكرا, فلا ظرف افضل من هذا الظرف للحسم باقل كلفة واعلى نتيجة ممكنة, وبالتالي فإن فتح كل اوراق القوة الاردنية ضرورة وتضميد كل مواطن الضعف واجبة, ولا شيء مقدس في الاتفاقيات المبرمة مع الكيان الصهيوني, ولا شيء لا يمكن القفز عنه وتجاوزه اذا ما ازدادت الحماقة الصهيونية الفاشية, وللحديث بقية.
(الراي)