في الدورة الأخيرة من معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام و التي اختمت فعالياتها قبل أيام, خضت تجربة مختلفة وشيقة، و جديدة علي، حيث عهدت إلي الأديبة العراقية الصديقة سارة السهيل بإدارة ندوتها ضمت فعاليات المعرض، وسارة السهيل باحثة وكاتبة و شاعرة تخصصت في الكتابة للأطفال و لها أعمال كثيرة متميزة في هذا المجال وأخذت مؤلفاتها منحى تعليمي, بجانب كونها ناشطة اجتماعية و تطوعية مهتمة بحقوق الانسان, وبالأخص الطفل في عالمنا العربي, كما أن لها جولات و مشاركات كبيرة في مختلف معارض الكتاب العربية والأجنبية.

لا أخفيكم سرا كان الموضوع في بدايته مقلق بالنسبة لي, فأنا كاتب أكاديمي في مجال العلوم السياسية, قلت في نفسي: ما الذي جمع الشامي والمغربي؟, من أين لي أن أشارك و أنا لم أبد في السابق الاهتمام الكافي بملف أدب الطفل؟ فمساحة الاتصال بين العلوم السياسية وأدب الطفل ليست بالكبيرة, لكنني في نفس الوقت استشعرت بداخلي تشويق للتجربة, و أرسلت لي سارة السهيل مجموعة قصص الأطفال التي ستخصص الندوة لمناقشتها و توقيعها و كانت تحمل اسم "آدم"، ولأنني حين أناقش كتابا أيا كان نوعه و مجال تخصصه لابد لي أن أقرأه "من الجلدة للجلدة" كما يقولون, استسلمت للتشويق الممزوج بالفضول بداخلي وأزحت جانبا كتب السياسة المتناثرة على المكتب و قلت مبتسما: "تعالى يا عم آدم", و بدأت أقرأ, و إذا بي أقلب الصفحات لأتابع تطور الأحداث في حياة آدم بطل المجموعة في قصصها الست و كأنني طفل صغير ينتظر بترقب باقي الحدوتة، فقد استطاعت الكاتبة بمنتهى السهولة أن تأخذني إلى عالمها, لأجدني أمام سلسلة قصص في غاية الأهمية لأسباب كثيرة, أولها أنها وجبة تربوية شيقة بامتياز تؤسس لطريقة مبتكرة في زرع القيم الأخلاقية لدى النشء من دون تصعيب أو ترهيب ومن دون اللجوء إلى الأساليب التربوية القديمة المعتادة كتلك التي كانت تتبعها "مدرسة الفصل" عندما كنا في المرحلة الابتدائية والتي كانت تقرأ لنا القصص على السبورة حاملة عصا صغيرة تدق بها على الدرج و تسبق إلقاء المعلومة بالتحذير بصوتها العالي الأقرب للصراخ, نجحت سارة السهيل في كسر هذه الصورة النمطية التي كانت عالقة في ذهني منذ عشرات السنين حول "راوي" قصص الأطفال أو تحديدا " المعلمة" بضم الميم, ألقت مجموعة " آدم" الضوء على جانب في غاية الأهمية, وهو كيف نؤسس للعلاقات السليمة بين الاباء و الأبناء, و بين الأبناء وبعضهم، أما السبب الثاني في رأيي و الذي جعلني منبهر بهذه المجموعة هو أنها أضافت لي معلومات لم أكنت أعرف عنها شيء و أنا في هذا العمر, وهي معلومات وضعت في سياقها دون إقحام ,على سبيل المثال تلقيت معلومات عن كرة القدم خاصة بتاريخ اللعبة و من أول من مارسها وقوانينها.

[أثبتت لي هذه التجربة أن أدب الطفل مجال واسع و متشعب و في غاية الأهمية و بإمكاننا من خلاله معالجة موضوعات خطيرة ومهمة شريطة أن نجد الكاتب الواعي بأهمية الرسالة, فكما يقولون التعليم في الصغر كالنقش على الحجر, وشباب اليوم الذي تعول عليهم الأمم لتحقيق نهضتها كانوا يوما صغارا وكانوا يقرأون القصص ولو أن هذه القصص نجحت في تأسيسهم و في تعريفهم بمعاني الوطن والولاء والانتماء و أرشدتهم إلى الأخلاقيات العامة للعلاقات الإنسانية وحببت إليهم الطموح و نمت بداخلهم المواهب و دفعتهم للتحصيل و السعي للمعرفة, ستكون النتيجة بكل تأكيد بناء جيل واعي قوي.

جاء موعد الندوة ووجدتني متحمس للمناقشة بعد أن استغربت التجربة في البداية و جلست الكاتبة سارة السهيل و بجوارها كاتب أدب الأطفال القدير أحمد زحام وكيل وزارة الثقافة الأسبق و الذي أمضى حياته في مجال أدب الطفل و اكتشاف مواهبهم, جاء بصحبة كتيبة من المبدعين الصغار كلهم قرأوا المجموعة القصصية موضوع الندوة " آدم" و حضروا ليناقشون كاتبتها, كما شارك في المناقشة الكاتبة رانيا أبو العنين عضو مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر, و هي كاتبة لها الكثير من التجارب في مجال أدب الطفل, أعجبت كثيرا بما توقف عنده الأطفال في نقاشاتهم وما أبدوه من دقة في القراءة بما يؤكد أن الكتاب ليس فقط صديق أمين ولكنه أيضا ناصح و موجه و باني للشخصية [في الأخير أضافت لي هذه التجربة بالقدر الذي يجعلني أشكر سارة السهيل أولا على مجموعتها القصصية الرائعة و ثانيا على اختيارها لي لمناقشتها.