أكمل ابي الثانوية العامة عام 1962 وكان في ذلك العام يتم العمل لأول مرّة بنظام إمتحان التوجيهي، وكان هناك صفان للفرع الادبي وواحد للعلمي، عموما كان والدي من العشرة الأوائل على مستوى المحافظة وحسب ذاكرة والدي فإن عدد الطلاب يومها كان 60 وهم الذين تقدموا للإمتحان في محافظة البلقاء، بحثت وللأسف لم أجد من خلال النت أي إحصائيات منشورة لوزارة التربية والتعليم عن تلك الأيام.
في تلك الايام وأكرر "عام 1962" وعندما أتم والدي دراسته الثانوية، توجه للتسجيل في القوات المسلحة حاله حال معظم الأردنيين، وكان يومها يتم تعيين من يحمل شهادة الثانوية العامة برتبة ملازم أول "بإختصار نجمتين" ولكن وللأسف لم يكن يومها واسطة مناسبة لتتدخل بتعيين أبي في الجيش، فتم تعيينه في الاشغال العامة "بطلوع الروح...صدقوا والا بكيفكوا" وبعد سنتان من "التجربة وطلوع الروح" تم تحويله الى مهنة "قيّاس" ثم أخذ دورة ومن خلالها أصبح مساح طرق، من عيزرية القدس الى الجفور والصفاوي والعقبة وطريق الغور الصافي، طريق الازرق، لم يبق طريقا في المملكة من شمالها وجنوبها الا وله فيها حكاية، يعرف كل طرق المملكة وبتفاصيل "مدهشة".
أبي لم يتسنى له أن يكمل دراسته الجامعية، ربما أعتبر ترفا يومها لدى العائلة دراسة الجامعة فالفقر يفعل أكثر من ذلك، انا أقول أنّ أبي كان مختصّا بفتح الطرق المغلقة فهذه الشوارع التي تسيرون عليها وانتم تتنقلون بين المحافظات كان لأبي فضل في تخطيطها وترسيمها، وأنا أشعر بفخر عجيب في هذه اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال.
ولكن حتى تكتمل الصورة لديكم كنت ابكي على حالنا جميعا وانا أقرأ السيرة الذاتية لمعظم وزرائنا فهم خريجو بريطانيا وأمريكا، وأبي الذي يعرف كل الطرق في المملكة لم يجد طريقه عام 1962 الى وظيفة ربما أنها سلبت منه لعدم وجود واسطة تحق الحق.
هنيئا لكم يا من وصلتم الى الرابع فأنا وأبي أيضا يسّرنا لكم الطريق.
qusainsour@yahoo.com