الأجندة الخارجية في خطاب بايدن السنوي
د.محمد المومني
12-02-2023 12:16 AM
في كل عام، يلقي رئيس الولايات المتحدة الأميركية خطابا سنويا عن حالة الاتحاد؛ أي الاتحاد الفيدرالي بين الولايات الأميركية الخمسين. يتضمن الخطاب عرضا لأهم التحديات والإنجازات الداخلية والخارجية أمام المشرعين من النواب والأعيان الأميركيين، بحضور ضيوف قد يكون لحضورهم على الشرفات رمزية خاصة.
الخطاب شبيه بخطاب العرش السنوي في الحالة الأردنية، الذي يعد استحقاقا دستوريا لافتتاح دورات مجلس الأمة، يشير فيه جلالة الملك لأهم التحديات والمنجزات، ويضع التوجيه الاستراتيجي للسلطات السياسية المعينة والمنتخبة، بصفته -الملك- حامي الدستور والضامن للتوازن بين السلطات ومظلتها.
خطاب بايدن كان طويلا جدا، ورغم ذلك، كان لافتا أن جله ارتبط بالأجندة الاقتصادية والاجتماعية الداخلية، وبالكاد تطرق الى أي أجندة خارجية.
التركيز كان على الاقتصاد وخلق فرص عمل، وانتشار الأسلحة والإصلاح الشرطي، وببراعة سياسية وحماس، هنأ بايدن رئيس النواب الجمهوري المنتخب للتو، مفتخرا بعدد القوانين والتشريعات التي أقرها الكونغرس بالتعاون بين كلا الحزبين بعيدا عن الاستقطاب.
بايدن أراد أن يظهر أنه من يجمع الناس على عكس ترامب الذي فرقهم، ويريد أن يظهر أو يحدث انقسام بين الجمهوريين المتشددين والجمهوريين المعتدلين في محاولة لعزل ترامب ومن يؤيدوه من أقصى اليمين الجمهوري.
في أجندة الخطاب الخارجية المقتضبة جدا، تطرق بايدن بشكل طفيف لاستمرار دعم أوكرانيا ضد حرب بوتين، لم يبالغ بالحديث عن هذا الأمر، وكأنه يقول لمشرعي ومواطني بلاده إنه يعي تماما أن هذه المعركة مهمة ولكنها أولوية لأوروبا وليس لأميركا، ولذا فاشتباكنا معها سيكون بحدود إنهاك بوتين والتأكد أنه سيدفع ثمن ما فعل، ولكننا سنفعل ذلك بالصفوف الثانية بعد أوروبا، فأميركا غير مهتمة أن تكون شرطي العالم، وتحمل تكلفة ذلك.
هذا تماما ما كان يفكر به ويقوله كلنتون بعد انتهاء الحرب الباردة. الملف الخارجي الثاني الذي تطرق له بايدن كان الصين، ورغم قصة بالون التجسس الذي دخل فوق الأراضي الأميركية في حادثة أحرجت الصين وأميركا، إلا أن بايدن التزم بسياسته الخارجية الحكيمة مع الصين، التي تؤطر التعامل معها ضمن مفهوم التنافس لا النزاع.
الجميع سيستفيد من التنافس، بما في ذلك أميركا والصين، وسيتطور العالم ويزيد رفاهه، أما النزاع فهو مدمر للجميع، ولا مصلحة لا للصين ولا أميركا به. تظهر كل من الصين وأميركا حكمة كبيرة، وهم يتعاطون مع خلافاتهم ضمن هذه الأطر ويبتعدون عن النزاع والتناحر.
لافت ومهم أن نلاحظ أن بايدن لم يأتِ على ذكر النزاعات في الشرق الأوسط، لا تلك المرتبطة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني أو حتى اتفاقية البرنامج النووي الإيراني.
في ذلك دلالات كثيرة، أهمها أن الولايات المتحدة ربما لا تعتبر هذه الشؤون أولويات أو تهديدات لها ولمصالحها، وربما لأن هذه القضايا على أهميتها للإقليم وخطورتها، إلا أنها تحت السيطرة، وليس بالوارد أن تتصعد لتصل لحد تهديد السلام العالمي أو المصالح الأميركية.
في كل الأحوال، وأيا كانت أسباب عدم ذكر الشرق الأوسط في خطاب بايدن، فالرسالة واضحة لنا جميعا، أن علينا تقليع شوكنا بأيدينا وعدم التعويل كثيرا على حلول عالمية لمشاكلنا الإقليمية.
الغد