التوابع السياسية للزلزال بين الإقليمي والمحلي
سامح المحاريق
12-02-2023 12:15 AM
تواصلت الهزات الارتدادية لزلزال تركيا وسوريا، وتوزعت آراء الخبراء بين من يرونها علامة غير مريحة، وأن زلازل أخرى ستأتي عاجلاً أم آجلاً، والأردن ليس بعيداً عن هذه التكهنات، ويرى آخرون، أن ما يحدث أمر يقلل من المخاطر بسبب تحركات تصحيحية وتفريغية للطاقة بين الصفائح الجيولوجية، وهذه جميعها أمور معقدة إلى حد بعيد، وليست في تناول الفهم العادي للقراء والمتابعين.
أما الجوانب السياسية فمن الممكن قراءتها بصورة معقولة، خاصة أن الكوارث الطبيعية كانت محركاً أساسياً في التاريخ، فزلزال لشبونة 1755 أدى إلى مراجعة واسعة للنظام السياسي والاجتماعي في أوروبا، وهو الأمر الذي ليس ناضجاً في المنطقة بعد الزلزال الأخير، وإن لا ينفي ذلك حدوث ارتدادت سياسية واسعة من شأنها أن تعمل على تعديل بعض المسارات التي بدأت تتشكل في المرحلة الأخيرة.
توقيت الزلزال يأتي قبيل الانتخابات الرئاسية التركية القادمة، ويضيف مشكلات جوهرية واسعة لطموحات الرئيس رجب طيب أردوغان في الاستمرار في موقعه، وتمتد التهديدات لمسيرة حزب العدالة والتنمية، وربما يؤسس لمرحلة أفوله بعد أكثر من عقدين في صدارة السياسة التركية، وهو الأمر الذي سيعني انكفاءً في السياسة الخارجية التركية وتحييد زخم أنقرة في العديد من الملفات الإقليمية، ولأن السياسة مثل الطبيعة لا تعترف بالفراغ، فذلك سيعني معادلات جديدة في شمال سوريا والعراق، وأخرى، في الصراع الروسي – الأوكراني الذي لا يمكن تنحية تركيا عنه بوصفها الدولة التي تتحكم في مضيق البسفور، ودفعتها سياستها الخارجية إلى أداء أدوار كثيرة متعلقة بالحرب وتطوراتها.
الواقع على الأرض في شمال سوريا ملف آخر سيطرح نفسه من جديد، وإذا كانت أزمة الزلزال دفعت إلى مقاربة جديدة تجاه الاعتراف بتمكن الدولة السورية من استعادة التوازن نسبياً في الجنوب، فإن المناكفات بخصوص التداخل بين مناطق النفوذ في الشمال من شأنه أن يدفع إلى مراجعة كاملة للابقاء على الثقب الأسود الذي تمثله حالة الفوضى في الشمال السوري، والأسئلة بدأت من خلال الاتحاد الأوروبي وتعامله الإيجابي مع الطلب السوري لتفعيل آلية الحماية المدنية التابعة للاتحاد.
التغيرات في سوريا وتركيا ستظهر خلال الأسابيع والأشهر القادمة، ولكن أسئلة أخرى ستبقى برسم الإجابة في الدول المجاورة، فالكارثة الطبيعية هي لحظة اختبار حقيقي لكفاءة الدولة وفعاليتها تجاه حماية مواطنيها وسلامتهم، وهي لحظة كاشفة لا يمكن مواربة أوجه الخلل في احتوائها، ولذلك فكثير من التفكير يجب أن ينصرف للتعامل الحذر مع الأولويات، وقدرة الدولة على الاستثمار في أدوات المواجهة مع هذه النوعية من الكوارث، وهذه التفاعلات ستشمل دول شرق المتوسط والهلال الخصيب بصورة أساسية، والشرق الأوسط في امتداده الأوسع.
الإعلام الأردني أدى الكثير من واجبه بخصوص التنبيه للمخاوف القائمة، وكثير منها مشروعة ومحتملة، وحتى لو كانت مرحلة تاريخية، وتحمل في طياتها ملفات كانت أكبر من القدرة الاستيعابية للدولة للتعامل معها بصورة منظمة مثل الإزاحات السكانية، وعلى الحكومة أن تبدأ في ترتيب أوراقها وأن تعمل منذ اليوم لبناء رؤية للتعامل مع أزمة محتملة الحدوث في مدى زمني غير معلوم، وحتى في حالة عدم حدوثها، فإنها ستكون حققت الكثير على مستوى ترتيب الأوضاع في العديد من المدن والمجتمعات العمرانية في الأردن، تجاه إعادة تصميمها وصيانتها بصورة أكثر مواءمة واستدامة ومنعة.
الرأي