سياسة تثبيت سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار الأميركي التي انتهجها البنك المركزي منذ عام 1995، تُشكل دعامة أساسية للاستقرار النقدي والمصرفي وبيئة قوية للاقتصاد الكلي، وتلعب دورًا فاعلاً في تعزيز الثقة بالدينار الأردني، وزيادة تنافسية الصادرات الوطنية، فضلاً عن تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمار، ويمكن لواضعي السياسات تحسين آفاق النمو على المدى الطويل من خلال تعزيز القدرة على الصمود، وتشجيع التنوع الاقتصادي الفعال، والارتقاء بمستوى كفاءة الأداء بمشاريع الشراكة بين القطاع العام والخاص.
ينبغي أن تواصل الحكومة الخطوات المهمة التي اتخذتها نحو إنشاء إطار قوي للشراكة بين القطاعين العام والخاص كإحدى أهم الاتجاهات العالمية في تمويل الخدمات العامة والبنية التحتية في العديد من القطاعات الحيوية، كالنقل، والطاقة، والصحة، والتعليم، والاتصالات، وغيرها، فهي أداة فاعلة لتمويل المشاريع التنموية باستخدام التمويل الخاص بدلاً من التمويل العام، فضلاً عن توظيف الإمكانات الإدارية والتقنية وروح الابتكار لدى القطاع الخاص، كما تؤدي الشراكة إلى تحسين جودة وكفاءة الخدمات العامة، وإدامتها، وتوزيعاً أفضل للمخاطر المرتبطة بها، علاوةً على مساهمتها في رفع معدلات التوظيف، وتعزيز التحولات الرقمية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وفقا لأحدث تقرير للبنك الدولي عن الآفاق الاقتصادية العالمية فإن معدلات النمو العالمي تتباطأ بشدة في مواجهة ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، وانخفاض الاستثمارات، والاضطرابات الناجمة عن الصراع في أوكرانيا وما صاحب ذلك من ضغط عالمي على إمدادات الطاقة خلال فترة الانتعاش الاقتصادي بعد انتهاء جائحة كوفيد 19، مما ادى إلى ارتفاع معدل التضخم ليتجاوز 10 % في العديد من الاقتصادات، وأسعار الفائدة إلى حوالي 4.75 % في غضون بضعة أشهر.

على مدى السنوات العشرين الماضية، منحت البنوك المركزية الكبرى وصانعو السياسات الاقتصادية الأولوية للنمو الاقتصادي ومنع الركود، وكان النهج الرئيسي هو خفض أسعار الفائدة، حيث مثَّل هذا النهج رد الفعل على كل صدمة اقتصادية أو جيوسياسية كبرى منذ عام 2001. وعلى النقيض من ذلك، للمرة الثامنة على التوالي رفع الفيدرالي الأميركي الفائدة 25 نقطة لتعيد الذاكرة خلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي التي وصلت أسعار الفائدة حاجز الـ10 بالمائة في بعض الأحيان، ووصلت إلى حدود 5-6 بالمائة في معظم حقبة التسعينيات.

وليس الأردن بمعزل عن هذا الاتجاه. فقد تعيَّن على البنك المركزي أن يحذو حذو البنوك المركزية الرئيسية برفع أسعار الفائدة 450 نقطة أساس مُنذ شهر آذار 2022 لاحتواء الضغوط التضخمية التي وصلت 4.4 بالمائة عام 2022، وهو ما يعني أن العديد من القطاعات الاقتصادية التي اقترضت بكثافة أصبحت الآن معرضة لتحمل تكلفة فائدة أعلى خلال فترة زمنية تتراوح من ثلاثة إلى ستة أشهر. وسيؤثر ذلك على التدفقات النقدية وقدرة الشركات المدينة على سداد الديون وتوزيعات الأرباح وخططها الاستثمارية المستقبلية، وهو ما قد يترك تأثيرًا كبيرًا على الاقتصاد المحلي على نطاقٍ أوسع، اعتمادًا على حجم هذه الشركات وتأثيرها.

إن الاقتصاد الأردني يسير بخطى ثابتة نحو التعافي، مدعوماً بالاستقرار النقدي والمالي ومستوى مرتفع من الاحتياطيات من العملات الأجنبية بلغت 17.3 مليار دولار، وهذا ما أسهم في رفع نمو الاقتصاد الأردني لعام 2022 إلى 2.7 بالمائة مقارنة مع التوقعات السابقة لنفس العام والبالغة 2.4 بالمائة والمحافظة عليه عند مستوى 2.7 بالمائة خلال عامي 2023 و2024، وذلك بالرغم من قيام صندوق النقد الدولي بتخفيض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي.

من الممكن أن يكون التضخم قد بلغ ذروته، وأن أسعار الفائدة باتت قريبة من أعلى نقطة لها، فإن انخفاض معدل التضخم في دول العالم الرئيسية يبشر بخير، حيث تعتبر الأردن من الدول التي تبذل كل الجهود لتوليد بيئة استثمارية ملائمة من خلال تطبيق نظام حوكمة يجذب المسثمرين الاجانب ورؤوس أموالهم بهدف تأهيل الاقتصاد الوطني كونها تملك عدة مزايا كالموارد البشرية والطبيعية والاستقرار السياسي.

الغد