ما زال هاشم يهشم الثريد ..
محمد يونس العبادي
10-02-2023 04:57 PM
كان آخر ما تحتاجه منطقتنا، هو الزلزال الأخير الذي ضرب سوريا وتركيا، ولكنها إرادة الله، وهي صروف الزمان التي قرأنا عنها، وبتنا نشاهدها اليوم، ونسأل الله ألّا تتكرر لا بهذا الزمان، ولا بأزمانٍ قادمةٍ.
ولكن، ورغم هذه النازلة الكبيرة، التي حلّت بأهلنا، وبأشقائنا في شمال سوريا، وجيراننا في جنوب تركيا، إلّا أنّ هذه الصروف دوماً ما تكشف عن المعادن النقية، في عروبتها، وفي دورها، ووقفتها تجاه الأشقاء والأهل، وبني الجلدة والجيرة.
ومنذ اللحظات الأولى، كان الموقف الأردني بتوجيهات الملك الهاشمي عبدالله الثاني (حفظه الله ورعاه) جلياً، وواضحاً، فكان العزم الهاشمي يتجدد مرة أخرى، وهو العزم الهاشمي الذي توارثه ملوك بني هاشم من هذا الإرث كابراً عن كابر، من زمان جد النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) وهو هاشم بن عبد مناف، وهو من ينسب إليه الهاشميون، وكان أول من سنّ رحلتي الشتاء والصيف، وهو أول من أطعم الثريد بمكة، والثريد هو الخبر، وكان ذلك حين "حلّت بقومه مجاعة"، والثريد آنذاك قدم به من الشام،
وقد قال فيه شاعر يوماً:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه.. قوم بمكة منسنين عجاف
سنت إليه الرحلتان كلاهما.. سفر الشتاء ورحلة الأصياف.
على هذا عاش وبقي آل هاشم الميامين، وضمن قيم الانتساب للرسول الكريم (عليه الصلاة والسلام)، حملوا الرسالة تجاه إنسان المنطقة، وعلى هذا كانت وما تزال وستبقى تؤسس المواقف الأردنية، فهذا البلد سنامة الأمة بكريم قيم أهله، وكريم قيادته الهاشمية.
ذلك أنّ الموقف الأردني، في مثل هكذا ملمات ينبع من إرث عميق الجذور، ويتجاوز الحسابات كافة، لذا كان المدد الأردني إلى جانب الأهل في سوريا وتركيا، وسيبقى بإذن الله إلى كل بلاد العرب، وبلاد الدنيا.
فمن بين المواقف التي ترويها الوثائق الوطنية، توجيهات الملك المؤسس عبدالله الأول ابن الحسين، منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، وأمر بحملة تبرعاتٍ لمساعدة الأشقاء في سوريا لقاء فيضاناتٍ ألمت بهم.
والشواهد كثيرة، وقد تمأسست، وبات ضمن فلسفة الدولة الأردنية، عبر إنشاء واحدة من الأذرع المهمة، وهي الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، والتي أخذت على عاتقها دور ترجمة مشاعر هذا البلد، وقيادته الهاشمية، وناس هذا البلد، عبر مشروعاتٍ في الداخل والخارج، وبخاصةٍ ما توفره دوماً من مساعداتٍ طارئةٍ وفورية في حالات الكوارث والنوازل عامة، لا قدر الله.
وقصة تأسيس الهيئة بذاتها تعبر عن قيّم هذا الوطن الكريم، ذلك أنّ تأسيسها جاء منتصف ثمانينات القرن الماضي، بتوجيهات من الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه)، بعد خمس سنواتٍ (منذ 1985 ولغاية 1990) من جهودٍ قادها الأردن لدعم الأهل في السودان، وقامت بمهام إغاثية وتنموية، وساعدت آنذاك السودان على مواجهة الجفاف والتصحر وما خلفه تدفق اللاجئين عليه.
وفي العاشر من شهر كانون الثاني عام 1990م، صدرت الإرادة الملكية بتأسيس الهيئة الخيرية الأردنية الهاشمية، لتكون الرائدة والقائدة في جهود العمل الإنساني والإغاثي، والتطوعي، في وطننا الكريم.
وباتت يد هذه المؤسسة، بالتعاون مع نشامى قواتنا المسلحة الأردنية، ممدودة للعون، في الخارج، وبالتعاون مع مؤسسات الإغاثة المناظرة.
وختاماً، نسأل الله أنّ تمر هذا النازلة على الأشقاء في سوريا، والجيران في تركيا بأقل الخسائر، ذلك أنّ ما نراه من صورٍ تأتي من هناك يعبر عن فاجعةٍ كبيرةٍ، نسأل الله أنّ تكون الأخيرة.. ونسأل الله أنّ يحفظ هذا الوطن العزيز بمليكه المفدى، وولي عهده، ليبقى رصيداً لأمته، وللإنسان أينما كان، على ما تأسس عليه من قيمٍ متوارثة وأصيلة.. فما زال هاشم يهشم الثريد..