الاستقرار السياسي والعلاقات الخارجية للدولة
إيمان صفّوري
09-02-2023 03:41 PM
يؤدي الاستقرار السياسي دورًا فاعلا في السياسة الخارجية للدولة، و يساهم الاستقرار السياسي في تفرغ الدولة لصياغة سياسة خارجية تحقق برامجها. كما ان الاستقرار السياسي يعطي للدولة مكانة سياسية دبلوماسية لأهمية السياسة الخارجية في إرساء الاستقرار السياسي، وإن من نتائج هذه العلاقة المتبادلة، حسن إدراة الدولة لعلاقاتها الخارجية مما يساعد على انفتاح الدول الأخرى عليها.
يعدّ الاستقرار السياسي أحد القضايا التي استحوذت على تفكير العديد من المفكرين و المحللين السياسيين منذ البداية العملية للفكر السياسي، و يعد هذا المفهوم من أكثر المفاهيم السياسية تعقيداً وغموضاً، وهو مفهوم معياري فما قد يتسبب في استقرار دولة ما قد يتسبب في الوقت ذاته في عدم استقرار دولة أخرى. و تكمن أهمية هذا المفهوم في كونه يعتبر مطلباً جماعياً تسعى إليه الأمم و الشعوب، لأنه يوفر لها المناخ و البيئة الضروريين للأمن و النماء والنهضة و الازدهار. و مهما كان نمط و طبيعة النظام السياسي القائم أو السائد في أية دولة فإن العامل المشترك دائماً هو تطلعات النظام الحاكم في أن يكون حكمه مستقراً كي يستطيع الاستمرار؛ و هو لا يعني تجميد الأوضاع القائمة، و الحفاظ على بقائها و سكونها، بل يعني إيجاد الوضعية المناسبة للتداول على السلطة بين مختلف القوى السياسية، و خلق جو من حرية العمل السياسي و نشاط و دينامية عمل الأحزاب السياسية. و يعكس الاستقرار السياسي أيضاً مدى قدرة النظام السياسي على تعبئة الموارد الكافية لاستيعاب الصراعات التي تبرز داخل المجتمع بدرجة تحول دون وقوع العنف فيه، وفق تدابير سياسية و اجتماعية و اقتصادية و ثقافية وأمنية.
وعلى النقيض؛ من مؤشرات عدم الاستقرار السياسي للدولة اضطراب علاقاتها الخارجية مع دول الجوار أو مع المجتمع الدولي، أو مع المنظمات الدولية والاقليمية، وذلك أما بسبب سوء إدارتها لملف السياسة الخارجية ، أو بسبب الطبيعة الصراعية للنظام الحاكم ، أو بسبب عدم حرصه على اقامة علاقات طيبة مع االجوار والمجتمع الاقليمي والدولي، و ضعف إدراكه بأهمية العلاقات الخارجية وتأثيرها على السياسة الداخلية، او بسبب سياسات داخلية لا تراعي اختلاف الأعراق والأصول لأفراد المجتمع كالاضطهاد العرقي او اضطهاد فئات معينة كالمرأة او عدم ضمان حرية العبادة لفئة معينة، أو انتهاك لبعض حقوق الانسان.. و كل ذلك يؤثّر على سياسات الدولة المتبعة، وعلاقتها مع الأطراف الخارجية.
استمرار السياسة الخارجية يعني استمرار النخبة الحاکمة في الحفاظ على نمط السياسة الخارجية تجاه البيئة الدولية بغض النظر عن نوع النظام السياسي القائم. يجادل "توماس نيکولسون" أن مفهومي استمرار السياسة الخارجية والاستقرار السياسي مترابطين مع بعضهما البعض، الأمر الذي يفسر أسباب استمرار النظام في السلطة لفترة طويلة. يعتقد "نيکولسون" أن أنصار تغير السياسة الخارجية لا يغيرون السياسة الخارجية، ولکن بالأحرى يساهمون في استقرار النظام. قد يفحص النظام البدائل المتاحة، وفي النهاية يکون الاستقرار هو الخيار الأمثل للنظام.
فقدرة النظام السياسي على أداء مهامه و إدارة الأزمات الداخلية ضمن الإطار القانوني، والاستجابة والتعامل مع المطالب الجماهيرية، وكذلك قدرة النظام على التكيّف مع التغييرات السياسية في ظل المتغيرات والتحوّلات الإقليمية والدولية دليل على صمود الدولة ككيان سياسيي، و بلوغها لمراحل من الاستقرار السياسي. وبالنظر إلى المملكة الأردنية الهاشمية و بوجودها بمنطقة غير مستقرة، تتبع المملكة السياسات التي من شأنها تعزيز الجبهة الداخلية من خلال عمل إصلاحات شاملة بوصفها مدخلًا أساسيًا لتقوية السياسة الخارجية الأردنية وتعزيز خياراتها في التعامل مع التحديات التي تواجهها، وتقوية قدرتها على الصمود إزاء أي ضغوط لا تتناسب مع مصالحها. فالأردن بموقعه الجيوسياسي يفرض عليه واقعية السياسة بحكم الجغرافيا، وتقع على كاهله تحديات ومطالب محلية وإقليمية ودولية يتحتّم عليه الاستجابة والتكيف معها. عدا عن ارتباط الأردن بالقضية الفلسطينية، يتأثر الأردن بشكل مباشر و غير مباشر بالصراعات العربية – العربية، والأزمات العالمية وانعكاساتها على المنطقة العربية.
الاستقرار الداخلي الآن في الأردن يعد مطلب أساسي أكثر من أي وقت مضى مع تأثير العامل الخارجي وتداعيات الأزمات الدولية والإقليمية عليه و تغير أولويات السياسة بمختلف القضايا الدولية.