facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




وقفة مع مؤرخ كبير


د. بسام البطوش
08-02-2023 03:39 PM

كلما ترددت الدعوة لإعادة قراءة تاريخ الأردن، وكلما تنادى الناس إلى كتابة تاريخ الأردن أجد من الضروري معاينة جهود مؤرخ أردني فذّ هو د.محمد عبدالقادر خريسات، الذي عمل بصمت، وبعيداً عن الأضواء لعقود متتالية بجهد فردي خالص، أو بمعاونة فريق خاص من الباحثين ممن اصطفاهم من نجباء طلبته لتحقيق جزء من مشروع توثيق تاريخ الأردن المعاصر، وبخاصة التاريخ الشعبي، الذي يرصد اتجاهات الرأي العام الأردني، ويوضح مواقف الأردنيين المشرّفة وحركتهم الوطنية وأحزابهم المبكرّة من القضايا الوطنية والقومية.

وتكتسب جهود د. خريسات أهمية خاصة في مواجهة ما يعانيه تاريخ الأردن من إهمال وإساءات متعمدة وغير متعمدة، وفي مواجهة ما تعانيه الدراسات المتصلة بتاريخ الأردن من أحكام مسبقة أو مواقف منحازة أو نظرات إستشراقية. وفي سياق جهوده العلمية المميزة لكتابة تاريخ الأردن قدّم أستاذنا خريسات دراسته الوثائقية الهامة تحت عنوان (الأردنيون والقضايا الوطنية والقومية، دراسة في الموقف الشعبي الأردني 1918-1939). وصدرت الطبعة الأولى من هذا السفر الثمين عن الجامعة الأردنية، وأحسنت وزارة الثقافة صنعاً عندما أعادت نشره مرات عدة.

وتأتي أهمية هذه الدراسة المرجعية (الأردنيون والقضايا الوطنية والقومية، دراسة في الموقف الشعبي الأردني 1918-1939) من كونها صادرة عن مؤرخ وأكاديمي ضليع له منهجه العلمي المتميز، وله جهوده البارزة في الكتابة التاريخية، كما تمثّل محاولة علمية جادة ورصينة لبلورة مواقف الشعب الأردني وعشائره وقواه الحيّة من القضايا الوطنية والقومية في مرحلة تاريخية زاخرة بالأحداث والتحولات السياسية على المستويين الأردني والعربي، هذا إلى جانب إستنادها إلى كم من الوثائق الوطنية والعربية والأجنبية الرسمية والشعبية، إضافة إلى اعتناء المؤلف بالتاريخ الشفوي، واهتمامه بتسجيل شهادات عدد من الشخصيات المشاركة في صناعة الأحداث.

ومما يميّز هذه الدراسة الهامة تكريسها للتعرف على الموقف الشعبي الأردني ودوره في صناعة الأحداث وتأثيره في مجرياتها، جاء في طليعتها الموقف المساند للثورة العربية الكبرى، ومواجهة الأطماع الاستعمارية والصهيونية المهددة للأردن وفلسطين والمحيط العربي، ومساندة مسألة الوحدة العربية، ومناصرة الشعب الأردني لقضايا التحرر الوطني على امتداد الوطن العربي في فلسطين وسوريا والعراق وليبيا والجزائر عبر الموقف السياسي والإعلامي والتبرع المادي والتطوع في صفوف الثوار والمجاهدين واحتضانهم والمساهمة في تزويدهم بالأسلحة والإعانات، خاصة في فلسطين وسوريا، ومواصلة دعم الثورات الفلسطينية والسورية عبر جميع مراحلها.

يُقدّم الدكتور خريسات عبر هذه الدراسة بانوراما واسعة ودقيقة للمشهد السياسي الوطني، مبرزاً دور الأردنيين في بناء الدولة العربية التي أقامها الأمير فيصل بن الحسين، وتجربة الحكومات المحلية الأردنية، وإنخراطهم مع الأمير عبدالله بن الحسين في تأسيس الإمارة الأردنية، والدور الوطني والسياسي الرائد الذي لعبته العشائر الأردنية في بناء الحركة الوطنية الأردنية، وقيادة العمل الوطني العام، وتحمّلها أعباء العمل المقاوم للإطماع الاستعمارية والصهيونية في شرق الأردن وفلسطين، ودعم نضال الشعب الفلسطيني غربي النهر، ونهوضها بمهام وطنية وسياسية غاية في الدقة والخطورة والحساسية، تتصل بمتطلبات النضال اليومي للدفاع عن الوطن، ومعارضة المعاهدة مع بريطانيا 1928م وذيولها واستحقاقاتها، ومقاومة محاولات التمدد الصهيوني إلى الأردن، ومنع تسلل سماسرة اليهود وفضحهم ومحاصرتهم، ومقاومة محاولات بيع الأراضي المثيرة للشبهات، والدفاع عن الحريات العامة والسياسية، وإبداء الوعي المبكر بأهمية بناء دولة دستورية نيابية، والتصدي للمشكلات المعيشية والحياتية والاقتصادية التي تواجه الإنسان الأردني.

ويهتم الدكتور خريسات في هذه الدراسة بالتعريف بالخريطة الحزبية الأردنية في تلك الحقبة 1918-1939م، ودراسة نشأتها وتطورها في بواكيرها الأولى، وتسليط الضوء على جهودها في الدفاع عن الحقوق الوطنية ومواجهة المخططات الاستعمارية والصهيونية المستهدفة للأردن.كما يهتم بملامسة بواكير نشأة منظمات المجتمع المدني كالأندية الثقافية والرياضية الشبابية والجمعيات ذات البعد السياسي التي تصدت للقضايا الوطنية الحيوية.

وتمثل هذه الدراسة قراءة علمية جادة لوعي الأردنيين الفطري المبكر بالمخاطر والتحديات التي تواجه الوطن والأمة. وتوضح أن الحدود تكاد تكون منعدمة بين الهم الوطني والهم القومي في الوجدان السياسي والوطني الأردني، وتدلل على أن الأردنيين استطاعوا إشادة حركة وطنية ممتدة وراسخة اجتماعياً، تمتلك رؤية سياسية متكاملة، تجسّدت في إطار تنظيمي ناضج هو حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الأردني العام 1928-1936، وفي عقد سلسلة من المؤتمرات الوطنية الهامة، وتشير إلى بدايات حقيقية وفعلية لتنمية سياسية رائدة ومتجذرة في الوجدان الاجتماعي والثقافي والسياسي للشعب الأردني، كما تشير لتجربة حزبية وطنية نابعة من التراب الوطني الأردني غير منعزلة عن محيطها العربي والإسلامي، ولو قُدّر لها أن تستمر وتتأصل لأغنتنا عن كثير من المساعي والمحاولات والانتكاسات التالية.

عبر هذه الدراسة يقدم أستاذنا د. محمد عبدالقادر خريسات رداً علمياً على من يحاولون الإساءة للعشائر الأردنية بمحاولتهم الادعاء أن الانتماء العشائري معيق للتنمية السياسية، وأن العشائر الأردنية كقاعدة اجتماعية سياسية وطنية تعني التقوقع والانعزالية والجهل! وقد غاب عن أذهان هؤلاء التاريخ الوطني المجيد للعشائر الأردنية، التي ضربت مثلاً في الوعي السياسي المبكر عبر ما أنجزته من حركة وطنية قادرة على إنتاج برنامجها السياسي(الميثاق الوطني الأردني) المقاوم للانتداب والصهيونية، والمدافع عن الحياة الدستورية والنيابية والحريات العامة. مما عرّض الحركة الوطنية الأردنية جراء ذلك لمضايقات جمّة من الانتداب، وأطيح بها لأسباب ذاتية وموضوعية في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي تحت وقع ضربات الإنجليز وقانون الدفاع وقوانين النفي والإبعاد، وسياسات تفكيك الحركة الوطنية وتشتيت جهودها وتفريق كلمة زعاماتها.

ما زالت المكتبة الأردنية في انتظار من يكمل المشروع الذي بدأه الدكتور خريسات لما بعد 1939م، وإن كانت جهود المؤرخ الدكتور محافظة قد سدت فراغاً كبيرأ عبر دراسات علمية منهجية قيّمة عن الفكر السياسي في الأردن، وعن المعارضة السياسية، والديموقراطية في الأردن. وبذه المناسبة أوجه خالص التحية والتقدير والعرفان للمؤرخ خريسات متمنياً لهم موفور الصحة والعطاء الموصول في حياته بعد التقاعد من التدريس الجامعي.





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :