اسناد الغرب لكييف وليس لفلسطين .. لماذا؟
د.حسام العتوم
08-02-2023 01:07 PM
تشكل لدي انطباع دائم بأن الغرب ، أي اوروبا و أمريكا بأنهم يمثلون العالم الأول الحضاري و العادل بسبب بنيتهم التحتية المتقدمة ، و القانونية أيضا بوجود الأمم المتحدة و مجلس الأمن و المحكمة الدولية و حقوق الانسان لديهم ، و بسبب ما لديهم من مفاهيم رفيعة المستوى تعتبر العمل قيمة و تلغي ثقافة العيب نهائيا ،و لتمسكهم بقواعد الحرية و الديمقراطية التي تنتهي عندما تبدأ حرية الاخرين ، يخرجون الى الشوارع في حالات الاضطرابات بطرق حضارية ،و يلتزمون بصناديق الاقتراع ،و يحترمون حقوق الانسان ، لكن ما جري و يجري على الأرض خاصة فيما يتعلق بسيادة العاصمة الأوكرانية ( كييف ) أمر اخر ، وما جرى و يجري لسيادة فلسطين أمر مختلف أخر ، فالقضية الفلسطينية عريقة معاصرة و تاريخية و عادلة تمتمد جذورها الى عامي 47 48 عندما التفت الصهيونية على الأمم المتحدة على 47 و اصدرت قرارا عبر الجمعية العامة سمي ب ( 181) دعا لتقسيم فلسطين الى دولتين عربية و يهودية ،و صوت على القرار23 دولة ، و عارضه 13 دولة ، و امتنع عنه عشر دول ، و رفضه العرب خارج اسوار الأمم المتحدة ، و تحول مع زمن احتلالات اسرائيل للأراضي العربية عامي 48 67 الى دولة عبرية فقط تلغي وجود الدولة العربية ، أي الفلسطينية كاملة السيادة و عاصمتها القدس المحتلة ،و عملت أوروبا مبكرا على تزويد الكيان الاسرائيلي الدولة بترسانة نووية مبكرة كشف أوراقها الخفية الخبير الاسرائيلي المغربي الاصل مردخاي فعنونو لصحيفة " سانداي تايمز " اللندنية ، و بالمناسبة قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 181 242 طالبا " اسرائيل " بمغادرة الاراضي العربية التي قسمت و احتلت مرتين عامي 48 67 .
ولقد تحدث - يفغيني بريماكوف - في كتابه " الشرق الأوسط – خلف الكواليس " ، و عبر زياراته المكوكية المتكررة للشرق الأوسط و هنا الى الاردن عن استحالة قيام دولة فلسطين الى جانب دولة اسرائيل ، و هو الذي افصح عنه المرحوم عدنان ابو عودة الذي التقيته في حياتي مرة واحدة ،و السبب المباشر الذي يقف وراء ذلك هو موقف الشارع الاسرائيلي المتطرف الذي يتقدمه حزب " الليكود " ويرى القدس عاصمة ابدية للاسرائيليين ، و عملوا في اسرائيل و لا زالوا من أجل طمس معالم فلسطين التاريخية ، و لأذابة الحضور العربي وسط المستنقع الاسرائيلي وصولا لحل الدولة الواحدة ، و هو ما يعمل من أجله نتنياهو ، و عمل قبل ذلك به ابان الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة التي دفعت الى السطح " الليكود " المتطرف و عبر نتنياهو و بن غفير،و بالمناسبة الاحزاب الاسرائيلية الاخرى ( يوجد مستقبل ،و الصهيونية الدينية ، و المعسكر الوطني ) لا تقل تطرفا عن الليكود .
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا هو ماسر موقف الغرب مجتمعا بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مع العاصمة الأوكرانية " كييف " و بإنحياز واضح لها ، و التباكي على سيادتها لدرجة تحويل " كييف " لحائط مبكى لهم ؟ وهل لموقفهم مجموعة أهداف سوداوية و في مقدمتها ابعاد القضية الفلسطينية عن مشهد الرأي العام الدولي المعاصر ؟ فكما نقرأ ، فأن رئيس وزراء اسرائيل السابق " نفتالي بينيت " لعب دور الوسيط بين روسيا الاتحادية وأوكرانيا بداية اندلاع العملية العسكرية الخاصة بتاريخ 24 شباط 2022 ، و صرح بأن الغرب هو الذي قاد المفاوضات ،و ظهر توافق بين جهد نفتالي ، و أمريكا ، و المانيا ، و فرنسا ، وبعد ذلك و بشكل مفاجيء اتخذ الغرب قرار معاقبة الرئيس فلاديمير بوتين لأسباب غير معروفة ، وشخصيا كمتابع اعلامي ومحلل سياسي أعرف و بموضوعية ، بأن الغرب عبث بأوراق " كييف " السياسية عبر دعم و اسناد الثورات البرتقالية الملونة التي سبقت و تزامنت مع انقلاب عام 2014 الدموي الذي قادته الأجهزة اللوجستية الغربية و في مقدمتها الأمريكي " السي أي ايه " ،و الهدف القريب و المتوسط و البعيد هو التخلص من الحضور الروسي السياسي و الاقتصادي و العسكري وسط الاراضي الأوكرانية من خلال طرد اخر رئيس أوكراني موالي لروسيا مثل( فيكتور يونوكوفيج) الذي لا زال يشاهد مشهد الحرب الأوكرانية من خلف المحطات الفضائية في مقر اقامته في العاصمة (موسكو) .
وتقدمت أمريكا و خلفها الغرب ،و حلف " الناتو " المعادي لروسيا وسط العاصمة "كييف " و أجهزة الغرب اللوجستية كذلك لتشجيع نظام أوكرانيا بداية في عهد الرئيس السابق بيترو باراشينكا ، و بعد ذلك في عهد الرئيس الحالي فلاديمير زيلينسكي على حفر الخنادق بين غرب و شرق و جنوب أوكرانيا بهدف ضم الشرق و الجنوب قسرا و عنوة متسببة في مقتل أكثر من 14 الفا من المواطنيين الأوكران و الروس ،و عملوا معا على احباط الحوار الأوكراني – الروسي المباشر ، وعبر جلسات النورمندي بحضور روسيا و فرنسا و المانيا ، و اسست أمريكا عبر ابن الرئيس الامريكي الحالي جو بايدن – هانتر و نشرت 30 مركزا بيولوجيا خبيثا و خطيرا ضارا بالتجمع السلافي و السوفيتي و الروسي البشري ،و باشروا بصناعة " قنبلة نووية " اكتشفها الجانب الروسي الاستخباري مبكرا ، و شجعوا لا حقا نظام " كييف " البنديري - الأزوفي المتطرف على صناعة قنبلة نووية أخرى اطلقت عليها موسكو اسم " القذرة " ، وحجة نظام أوكرانيا وقتها هو شروع روسيا بتوجيه قنبلة نووية منخفضة القوة تجاه الاراضي الأوكرانية ، وهو الذي لم يثبت صحته ، و أصبح محض سراب ، و المعروف بأن قوة النار الروسية النووية منذ اختراع القنبلة النووية السوفيتية عام 49 هي رادعة ، و حتى الان ، و ضابطة لأمن العالم .
والملاحظ هنا هو سوء تفسير الغرب لعدالة القضية الفلسطينية ، و الانتقال من المراوغة الى تبرئة الذات ، و هو الحديث الذي اعجبني وو رد في مقالة الوزير و السفير و المدير البنكي الدولي الاسبق ،و المختص في الشأن الأمريكي على مدار 30 عاما ، الدكتور مروان المعشر و التي نشرها عبر موقعي " القدس العربي و عمون " بتاريخ 7 شباط 2022 بعنوان " ردود الفعل حول الحكومة الاسرائيلية الجديدة " حيث أورد فيه عبارة هامة مفادها ،بأنه ( من الواضح أن الموقف الأمريكي متناقض مع نفسه ،فالحديث عن الظروف الملائمة لأستئناف المفاوضات ، دون اجراء أي اجراء فعال الى وقف المستوطنات ، لن يحقق الهدف ، و الحديث عن حل الدولتين في هذا السياق يندرج تحت باب ابراء الذمة فقط ) انتهى الاقتباس . وفي المقابل سوء غربي واضح لتفسيره لأزمة " كييف " التي تحولت لحرب دموية مفتوحة ، اعتقدت روسيا من خلال عمليتها الخاصة العسكرية الاستباقية ، الدفاعية ، التحريرية غير الاحتلالية و بقرار جماعي من قادة قصر " الكرملين " الرئاسي و بمصادقة الرئيس بوتين ، بأنها ستنتهي منها في وقت محدود قصير ، ولم تقرأ استخباريا بدقة حجم المؤامرة الغربية الكبيرة على روسيا التي اقتنصت فرصة تحرك العملية العسكرية الروسية استخباريا لتحولها الى حرب مفتوحة خالده ، و اخر المستجدات على الارض تشير الى تقدم روسي عسكري ملاحظ ، و حشود عسكرية كبيرة بعد نجاح قوات " فاغنر " الروسية الأمنية الخاصة بالوصول الى منطقتي " سوليدار و باخموت " و بجهد نوعي جديد للجيش الروسي للإطلال على هضاب العاصمة الأوكرانية " كييف " اخر محطات النصر الروسي الأكيد في زمن تلويح المانيا بدفع دبابات حديثة من نوع " ليوبارد" ، و يبحث في الغرب عن صواريخ بعيدة المدى و حتى عن طائرات حربية من نوع " اف 16" ، و هو ضرب من الجنون.