لنحمي هذا الكنز من السفهاء
سارة طالب السهيل
08-02-2023 12:16 AM
أودع الخالق العظيم أسراره في خلقه كل حسب مرتبته من أنبياء ورسل وصديقين وشهداء وأولياء صالحين وأناس طيبين، هذه الاسرار هي كنوز ربانية وعطايا ختم بها على قلوب من أحبهم، وطوبى لمن أحبهم الله.
وطيبو القلوب عملات بشرية نادرة في زماننا ممن أمدهم الله تعالى بالعديد من الكنوز كحسن الظن بالاخرين ومسامحتهم عند الخطأ،وللأسف صاروا مثارا أما للدهشة او الاستهزاء من جانب الجهلاء، والوصم بضعف الشخصية بل والاستغلال المقيت ماديا ومعنويا.
هؤلاء الطيبون لديهم قدرات خارقة على مساعدة الاخرين بحب ولو لم يطلب منهم ذلك، فهم مجبولون بالفطرة على المسارعة في الخيرات، بل انهم يؤثرون مصالح الاخرين على مصالحهم الشخصية، ويجدون في ذلك متعة روحية وقلبية لا يتذوقها الا من هم على شاكلتهم.
أصحاب القلوب الطيبة كما الاسفنج تمتص كل الطاقات السلبية فيمن حولهم ويمدونهم بطاقات من أنوار قلوبهم الشفافة وأرواحهم الطاهرة فيحولون الكآبة الى سعادة، والحزن الى فرح، فغايتهم ادخال السعادة الى قلوب الاخرين بلطافة مبهرة.
والعجيب أن الطيبين هم أشد الناس ابتلاءا وصبرا على ابتلاءاتهم فلا يشكون لمن حولهم من مصاعب او شدة تصادفهم، بل تجدهم اما منزوون عن الناس حتى تنفرج أزماتهم، أو تجدهم في وسط الناس يضحكونهم ويسعدونهم بينما قلوبهم تنفطر من الاسى والحزن كالطير الذبيح يرقص من الالم.
والمدهش في طبيعة شخصيات الطيبين انهم يتكيفون مع الظرف ويعبرون على أشواك الحياة التي لا يستطيع غيرهم، وهم عبورها، ولا يقبلون رد أذى الاخرين لهم بأذى مقابل، فهم أكثر الفئات البشرية تسامحا وغفرانا لمن اذوهم، يتلمسون الاعذار دائما لغيرهم، وقد يلومون انفسهم عن أذى الاخرين لهم، ودون ان يهاجموا من أساءوا لهم او يفضحوهم.
وقد يترتب على ذلك مشكلات نفسية صعبة، بل واضرار اجتماعية واقتصادية لهم بسبب تجاوزهم عن المسيء بحقهم والسالب لحقوقهم، رغم قدرتهم على الدفاع عن حقوقهم، فان جاء حقهم بسلام قبلوا به، وأما أن جاء بحيل إبليس المعروفة عند بني البشر فانهم يترفعون عنها، يقولون راحة بالي وقلبي أغلى مما يتصارع عليه الناس، فيرفضون الدخول في مثل هذه الصراعات حفاظا على صفاء قلوبهم من الأحقاد.
ولذلك من الضروري أن يكتسب الطيبون مهارات الحصافة والنصاحة في التعامل مع الآخرين، ولا يمنحون ثقتهم العمياء لكل من هب ودب، فهذا مخالف للعقل والحكمة، والحكمة ضالة المؤمن.
فالرحمة التي تفيض من قلوب الطيبين كنهر جارٍ لابد وأن تصب فيه جداول معقمة ونظيفة من التلوث حتى يستفيد منها من يشرب من هذه الجداول، وإلا نعم الله تضيع سدى، فقبل أن يمنح الطيبون حبهم ورعايتهم لأي شخص لابد وأن يعرفوا أولا هل يستحق المعروف والحب أم لا؟ وليحقق الله قلوبنا بالصفاء والبصيرة معا.
(الراي)