على نحو غير مسبوق, تتراكم الازمات كما الثلوج في موسم عاصف, امام حكومة الدكتور بشر الخصاونة, فثمة تحالفات عجائبية ضد الحكومة, فلا يخلو مجلس صالوناتي من نقد لاذع للحكومة, وعند تحليل شيفرة الصالون او المنتقد, تعرف ان ثمة حالة من الانزياحات داخل مسننات السلطة, يبدو انها مرشحة للتماسك اكثر من التفتت او الذوبان, وسط سوداوية غريبة يعيشها الشارع الشعبي, الذي يكتفي بالسواد دون نقاش, بل ان اية محاولة لكشف قصة نجاح هنا او هناك سرعان ما تواجه بقصف مركز بالتهم المعلبة والطازجة, لكن اغرب التحالفات هو ذلك القائم بين ما ي?مون انفسهم بنشطاء المجتمع المدني وتيارات اليمين المحافظ, الذين لم يجتمعوا يوما حتى على منسف, بوصف المنسف قادر على جمع الفرقاء والاصدقاء في الاردن.
خطورة التجاذبات الداخلية, ليس خلوها من المنطق او التفاعل مع الاراء المتباينة, بل في انعكاسها على صورة الاردن ومؤسساته الوطنية, ولعل ما جرى على شهادة البورد الاردني مثال حي على ذلك, فنحن نتمترس خلف مواقفنا دون السماح للحوار الداخلي بالنجاح او بالبقاء داخل الغرف الوطنية على الاقل, فالجميع لا يقدر حجم التربص الخارجي بالاردن, وعلى كل المسارات, فالسياحة العلاجية تواجه تنافسية عالية, كما باقي قطاعات السياحة, دون انكار ان الازمة نصنعها في مختبراتنا الوطنية تارة بالطمع الزائد وتارات بالمصلحة الضيقة الشخصية, كما حد? من اطباء اثناء مناقشة القانون الطبي الجديد, الذي استهدف استقطاب الكفاءات الوطنية في الخارج, لتعزيز المخزون الوطني من الكفاءات الطبية, لكن اصحاب المصالح ضربوا بكل هذه المفاهيم ومن يريد التأكد فليراجع كشف الدول التي يتخرج منها او تخرج منها اعضاء النقابة التي نعتز بها.
الامور ليست مقتصرة على القطاع الطبي, بل ان الخلافات المستعرة والتصريحات الرنانة بالاتجاهين, تطال بالسوء كل القطاعات, فكيف يمكن تفسير تطفيش مستثمرين من رجال شغلوا مناصب رفيعة, اسدوا نصائح لمستثمرين محليين وعرب بالابتعاد عن الاردن, بالمقابل يتم الحديث عن الاستثمار بوصفه وجبة علاقات اجتماعية قائمة على عشاءات وسفرات وترويج, دون اطار شمولي, حتى بعد نفاذ قانون البيئة الاستثمارية, قلناها مرارا وتكرار ان المعارضة الوطنية هي التي تحب الاردن اكثر من كرهها للحكومة, ونعيدها اليوم ونعيدها كل يوم, ما يجري في المسارين
الصالوناتي والشعبي لا يخدم التوجهات الوطنية, فرشوة غير متحققة لشخص ما كافية باجهاض مشروع ضخم او اعاقة قانون ضروري.
نعلم جميعا ان الاردنيين يضجرون بسرعة, من الحكومات والبرلمانات, لكن هذا الضجر له ما يسنده, فليس كل الضجر تعبير عن سلوك اجتماعي اعتاد فيه الاردنيون التعامل مع حكومات قصيرة العمر, فحجم الانجاز المقطوع ما زال هشا وضعيفا, والاثقال الاقتصادية والاعباء المعاشية لا تجد لها استراتيجية واضحة ومفهومة, واكتاف الاردنيين وان كانت حمّالة الا انها ارهقت, ليس من اجراءات الحكومة الحالية حتى لا نحملها اكثر مما تحتمل بل من صيرورة متصلة من حكومات استمرأت ترحيل الازمات والتعامل بالمفرق مع كل الازمات.
(الراي)