الحكومة والضمان والـ11 دينارا
محمود الخطاطبة
07-02-2023 12:33 AM
خلال الأيام الماضية، تابع الأردنيون، وخصوصا العمال منهم، ممن يتقاضون دنانير معدودة، «الجلبة» التي حدثت بشأن الزيادة التي أقرتها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي على الحد الأدنى للأجور، إلى مبلغ «خيالي»، مقداره أحد عشر دينارا، ليُصبح 271 دينارا بدلا من 260.
وفي الوقت الذي كانت فيه مؤسسة الضمان تتخذ قرارا، ظاهره نُصرة العامل الأردني، وباطنه «شعبويا» تُريد من ورائه تسجيل موقف يُحسب لها، كانت الحُكومة المُبجلة تميل كُل الميل نحو أصحاب المال والأعمال، غير آبهة البتة، بمصير العمال، الذين يتقاضون راتبا شهريا لا يتجاوز الـ260 دينارا، وهم يعدون الأيام والأشهر والأعوام في انتظار زيادة عادية، كي لا نقول «مُجزية» على أجورهم.
الحُكومة، وللأسف، كان لها رأي آخر، إذ استكثرت ذلك المبلغ «المُرتفع جدا» على العامل الأردني، وقررت عدم رفع الحد الأدنى للأجور، على أن يتم إعادة النظر فيه من قبل اللجنة الثلاثية لشؤون العمل (الحكومة وممثلين عن أصحاب العمل والعمال) بداية العام 2025 .. وكأن لسان حالها يقول إن الأهم عندي هو صاحب العمل، وليس العامل، بعيدا عن أن القرار فيه مُخالفة قانونية.
زيادة لا تكاد تُذكر، وبالكاد يرضى بها طفل من أسرته، وكأن الحُكومة أصابها الصمم أو عُمي عليها، لا تعلم بأن ذلك القرار من أولى سلبياته زيادة مُعاناة العمالة، التي هي بالأصل توسم بأنها «فقيرة»، أو على الأقل محدودة الدخل، وبالتالي قد تهوي بالأسرة الأردنية إلى ما دون خط الفقر، الذي يرزح تحته الآن الكثير.
«الضمان» تغافلت، لسبب أو آخر، عن زيادة الحد الأدنى للأجور، العام الماضي، على الرغم من أن قرار اللجنة الثُلاثية لشؤون العمل، الصادر في الـ24 من شهر شباط 2020، يقضي بزيادة للأجور بما تُعادل نسبة التضخم.. لكن المؤسسة نفسها أصدرت في الـ23 من الشهر الماضي قرارا يقضي بزيادة مقدارها 11 دينارا، ليُصبح الحد الأدنى للأجور 271 دينارا، الأمر الذي يضع أكثر من علامة استفهام.
ولم يُعرف حتى الآن، سبب انتقائية مؤسسة الضمان بشأن «الزيادة»، فهي تمنعه في عام وتسمح به في عام آخر، إذا ما تم التسليم أنها تُنفذ قرارا منشورا بالجريدة الرسمية.. وكأنها لا تعلم والحُكومة، معها أيضًا، بأن هُناك نسبة ليست بسيطة من العمال، الذين يعملون طيلة شهر كامل، مُقابل مبلغ مالي زهيد، بالكاد يكفي سد احتياجات شخص واحد، وليس عائلة مُكونة من أربعة أو خمسة أفراد.
الغريب في الأمر، هو أن قرار «الضمان» السابق، أي «الزيادة»، رافقه «بروباغندا» غريبة ودعاية ضخمة، إلى درجة يُخيل للغريب بأن الزيادة مُجزية جدًا، ومن شأنها العمل على قضاء حاجيات كثيرة للأسرة الأردنية.. فهذه المؤسسة لم تترك وسيلة إعلام أو تواصل اجتماعي إلا ونشرت خبرها ذلك فيها.
الجميع يأمل من الحُكومة أن تتيقن بأن الأردنيين، ليسوا جميعا موظفين في القطاع العام أو العسكري، فالنسبة الأكبر هي تلك التي تعمل بالحد الأدنى للأجور، فحتى «الضمان» تعلم بأن سجلاتها تؤكد بأن هُناك 170 ألف عامل، يعملون برواتب شهرية لا تتجاوز الـ260 دينارا، فضلًا عن وجود الآلاف ممن يعملون بمثل ذلك أو أقل غير مُسجلين بـ»الضمان»، ناهيك عن عشرات الآلاف ممن يعملون بـ»المياومة»!.
(الغد)