درويش في (حيفا): تخيفني اصولية حماس الثقافية
15-07-2007 03:00 AM
لا حوار قبل الاعتذار عما حدث في غزة..
لدم ساخن والجروح نازفة لن اقرأ قصائدي القديمة. ولا اريد ان اظهر بمظهر الوطني والبطل عمون - ما هو مدي بالحقيقة قبيل زيارته حيفا؟ كيف أثرّ فيه نبأ أن 1.200 بطاقة من 1.450 للحفل الذي سيقرأ فيه من شعره في يوم الاحد في مدرج حيفا علي الكرمل قد اختطفت في يوم واحد؟ أيؤثر هذا الاكتظاظ في محمود درويش الذي يسكن عمان في السنين الاخيرة ورام الله احيانا؟
عندما تجاوزت سن الخمسين تعلمت التحكم بمشاعري ، يقول درويش، اسافر الي حيفا بلا توقعات. ثَمّ غطاء علي قلبي. قد أذرف بضع دموع في قلبي لحظة لقائي الجمهور. أتوقع احتضانا حارا، لكنني أتخوف ايضا ان يخيب أمل الجمهور، لانني لا أنوي أن اقرأ كثيرا من القصائد القديمة. لا اريد أن أظهر بمظهر الوطني أو البطل أو الرمز. سأظهر كشاعر متواضع .
كيف ينتقلون من رمز الروح الوطني العام الفلسطيني الي شاعر متواضع؟
الرمز ليس موجودا في وعيي ولا في خيالي. أجهد من أجل تحطيم مطلب الرمز وللخروج من هذه الأيكونة. لأعود الناس ان يروني انسانا يريد تطوير شعره وذوق قرائه. سأكون في حيفا حقيقيا. سأكون ما أنا. وسأختار قصائد ذات مستوي رفيع .
لماذا تستهين بقصائدك القديمة؟
عندما يعلن أديب بأن كتابه الاول هو الافضل يكون ذلك سيئا. أنا أتقدم بدأب من كتاب الي كتاب. ما زلت لم اقرر بعد ما الذي سأقرأه علي الجمهور. لست غبيا. لن أخيب أمله. أعلم أن كثيرين يريدون ان يسمعوا شيئا قديما .
عامل استعارات
في صبيحة يوم الاثنين وصل رام الله من عمان. ما زال لا يعرف كيف سيسافر الي حيفا، المدينة التي بدأ فيها طريقه الادبي في الستينيات، يوجد أناس كثيرون يتطوعون بنقله. في الامسية التي تنظمها سهام داود، وهي شاعرة ومحررة مجلة مشارف ، بمشاركة الجبهة الوطنية للمساواة، سيتكلم درويش في الحفل ويقرأ نحوا من 20 قصيدة. سيصحبه سمير جبران بالضرب علي العود وستكون المطربة أمل مرقص عريفة الحفل. يؤمل درويش ان تمكنه وزارة الدفاع من البقاء في اسرائيل نحو اسبوع، فإذن الدخول الذي حصل عليه يمنحه بقاء ليومين فقط.
جرت المقابلة في المركز الثقافي المسمي باسم المربي خليل السكاكيني في رام الله وهو مبني فخم يشتمل علي متحف، وقاعة سينما واحتفالات موسيقية وعلي مكتب واسع ايضا لدرويش يحرر فيه مجلته الشعرية الكرمل . المكتبة في غرفته مليئة بالكتب بالعربية وبينها بعض الكتب بالعبرية أيضا.
في 1970 سافر درويش الي الخارج في وفد شيوعي ولم يعد. سافر الي مصر ـ التي كانت آنذاك بلدا معاديا ـ وبعد ذلك انضم الي م.ت.ف، وادار مركز ابحاث المنظمة في بيروت. ان التوقيع علي اتفاقات اوسلو بين اسرائيل وم.ت.ف فقط مكنه من العودة للزيارة بغير خطر الاعتقال. درويش اكثر هزالا مما كان، متأنق في اللباس وبشوش. يبدو ممتازا وأقل عمرا كمن مات موتا سريريا قبل ثماني سنين بسبب ذبحات صدرية واعيد الي الحياة.
أيوجد أمل لهذا الشعب ؟ سألته ولم يجهد درويش المتشائم الكبير نفسه حتي بات يسأل أي شعب أعني؟ حتي لو لم يوجد أمل، يجب علينا أن نوجده وان ننشئ أملا ، أجاب. نحن ضائعون بلا أمل. يجب أن ينبع الامل من اشياء بسيطة. من روعة الطبيعة، ومن جمال الحياة، ومن هشوشتها. يمكن من آن لآخر ان ننسي الاشياء الضرورية ولو من أجل ان نبقي النفس صحيحة. يصعب التحدث في هذه الايام عن الأمل. يبدو هذا وكأننا نتجاهل التاريخ والواقع. وكأننا ننظر الي المستقبل مفصولا عما يحدث الان، لكن من أجل أن نحيا يجب ان نوجد الأمل بالقوة .
كيف تفعل ذلك؟
أنا عامل استعارات لا عامل شعارات. أنا اؤمن بقدرة الشعر، الذي يمنحني اسبابا للنظر الي الامام ولتعرف بارقة ضوء. قد يكون الشعر وغدا. فهو مزور ومحرف. ويستطيع ان يجعل غير الواقع واقعيا، والواقع خياليا. يستطيع ان يبني عالما يناقض العالم الذي نعيش فيه. أري الشعر دواءً روحانيا. استطيع أن اصور بالكلمات ما لا أجده في الواقع. هذا وهم كبير لكنه ايجابي. لا توجد عندي أي اداة اخري لأجد معني لحياتي أو لحياة شعبي. أستطيع أن أمنحهم الجمال بواسطة الكلمات وان أصف عالما جميلا وأن اعبر ايضا عن وضعهم. قلت مرة انني بنيت وطنا بالكلمات لشعبي ولنفسي .
كتبت مرة في قصيدة، هذه الارض تضيق عنا جميعا ، ويبدو اليوم ان الشعور بالاكتئاب والعجز اكبر مما كان دائما.
الوضع اليوم هو أصعب وضع كان يمكن تخيله. الفلسطينيون هم الشعب الوحيد في العالم الذي يشعر بيقين ان اليوم افضل مما ينتظره في الغد. فالغد ينذر دائما بوضع أسوأ. عرفت في 1993 عشية اتفاق اوسلو أن الاتفاق لا يكمن فيه أي وعد بان نبلغ سلاما حقيقيا يقوم علي استقلال الفلسطينيين وانهاء الاحتلال الاسرائيلي. برغم ذلك شعرت أن الناس جربوا الامل. اعتقدوا ان السلام السيء قد يكون افضل من الحرب الناجحة. كانت هذه الاحلام مضللة. الوضع الان اسوأ. لم توجد حواجز قبل اوسلو، ولم تنتشر المستوطنات علي هذا النحو وكان الفلسطينيون يعملون في اسرائيل .
هل الاستعداد للسلام كان متبادلا؟
يشكو الاسرائيليون من ان الفلسطينيين لا يحبونهم. هذا أمر مضحك. يتم السلام بين دول ولا يقوم علي الحب. ليس اتفاق السلام حفل زواج. انا أتفهم كراهية الاسرائيليين. فكل انسان طبيعي يكره العيش تحت الاحتلال. نصنع السلام قبل وبعد ذلك نمتحن مشاعر الحب او عدم الحب. قد لا يأتي الحب أحيانا بعد صنع السلام. فالحب مسألة خاصة ولا يمكن فرضها علي الغير.
أتهم الجانب الاسرائيلي بأنه لم يعبر عن استعداد لانهاء احتلال قطاع غزة والضفة الغربية. لا يريد الشعب الفلسطيني تحرير فلسطين، فالفلسطينيون يريدون ان يحظوا بحياة طبيعية علي 22 في المئة من المساحة التي يعتقدون أنها وطنهم. اقترح الفلسطينيون التفريق بين الوطن والدولة. وأدركوا التطور التاريخي الذي افضي الي الوضع الحالي، الذي يعيش فيه شعبان علي نفس الارض وفي البلد نفسه. رغم هذا الاستعداد لم يبقَ ما يُتحدث فيه .
حرب قطاع غزة
ذكرت قطاع غزة. ما الذي تعتقده في الواقع الجديد هناك؟
هذا وضع مأساوي. جو حرب أهلية. ان ما حدث بين افراد فتح وافراد حماس في غزة تعبير عن افق مسدود. لا توجد دولة فلسطينية ولا سلطة فلسطينية. ويحارب بعضهم بعضا علي اوهام. يريد كل واحد الامساك بزمام الحكم. كل شيء وهم. كأنما توجد دولة، وكأنما توجد حكومة، وكأنما يوجد وزير، وكأنما يوجد علم، وكأنما يوجد نشيد وطني. الكثير من الوهم ولكن لا يوجد أي مضمون. اذا وضعتِ الناس في سجن وعندما تفعلين ذلك، وقطاع غزة سجن كبير، ويكون السجناء فقراء معدمين، وعاطلين من العمل وبلا عناية طبية اساسية ـ فستحصلين علي ناس بلا أمل. يخلق هذا احساسا كأنه طبيعي بالعنف الداخلي. فهم لا يعرفون من يحاربون. ولهذا يحاربون أنفسهم. يسمون هذا حربا أهلية. ينفجرون داخل الضغوط النفسية والاقتصادية والسياسية .
أيخيفك صعود أصولية حماس؟
لا يخيفني هذا من الجهة السياسية. هذا مخيف من الجهة الثقافية. يميلون الي فرض مبادئهم علي الجميع. وهم يؤمنون بالديمقراطية لمرة واحدة وذلك من أجل الوصول الي صناديق الاقتراع والحكم فقط. لهذا فانهم كارثة علي الديمقراطية. هذه ديمقراطية مناقضة للديمقراطية. لكن لا يمكن تجاهل حماس كقوة سياسية لها مؤيدون في المجتمع الفلسطيني. الان، والدم ساخن والجروح نازفة يصعب الحديث عن حوار. لكن اذا اعتذر افراد حماس آخر الامر عما فعلوا في غزة وصححوا نتائج المعركة في غزة فسيمكن الحديث عن حوار .
أنتم تلعبون مرة اخري لمصلحة اسرائيل التي تربح كثيرا من هذا الوضع.
زعمت اسرائيل طول السنين انه لا يوجد من يُتحدث اليه. حتي عندما كان يوجد من يُتحدث اليه. لا يريد الاسرائيليون الانسحاب الي حدود 1967، ولا يريدون الحديث عن حق العودة ولا عن اخلاء المستوطنات ولا عن القدس بيقين. فما الذي يُتحدث فيه إذن؟ نحن في طريق مسدود. لا أري نهاية لهذا النفق المظلم، ما ظلت اسرائيل غير مستعدة للتفريق بين التاريخ وبين الاسطورة. الدول العربية مستعدة اليوم للاعتراف باسرائيل وتتوسل ان تقبل اسرائيل المبادرة السلمية العربية التي تتحدث عن العودة الي حدود 1967 وعن انشاء دولة فلسطينية لا عوض الاعتراف التام بدولة اسرائيل فقط بل علاقات تطبيع كاملة ايضا. إذن قولي لي أنتِ، من الذي يضيع هذه الفرصة؟ قالوا دائما ان الفلسطينيين لم يضيعوا أي فرصة لاضاعة الفرصة. لماذا تقلد اسرائيل رفض العرب؟ .
هل يبدو لك انك ستحظي في حياتك برؤية اتفاق سلام بين الشعبين؟
لست يائسا. أنا ذو صبر وانتظر ثورة عميقة في وعي الاسرائيليين. العرب مستعدون لقبول اسرائيل القوية والمتسلحة بالسلاح الذري ويجب عليها فقط أن تفتح أبواب قلعتها وأن تصنع السلام. كفوا عن الحديث عن خطي الانبياء وعن حروب بلعام وعن قبر راحيل فهذا هو القرن الـ 21. يحتاج الي ثورة ثقافية عند الساسة في اسرائيل، ليدركوا انه لا يمكن ان يُطلب الي الشبان في اسرائيل ان ينتظروا الحرب القادمة. العولمة تؤثر في الشبان، ويريد الشبان السفر وأن يعيشوا وان يبنوا حياة خارج الجيش. اذا وجد اليأس بين الاسرائيليين ايضا فهذه علامة حسنة. فقد يفضي اليأس الي ضغط عام للقيادة من أجل احداث وضع جديد. أتعرفين ما الفرق بين الجنرال والشاعر؟ الجنرال يعد في ميدان القتال كم من الموتي يوجد في جانب العدو، اما الشاعر فيعد كم من البشر الاحياء ماتوا في هذه المعركة. لا عداوة بين الموتي. يوجد عدو واحد هو الموت. الاستعارة واضحة. الموتي في الجانبين لم يعودوا اعداء .
أقد تزن ان تهب نفسك للنشاط السياسي كما فعل فاسلاف هافل مثلا؟
ربما كان هافل رئيس دولة جيدا، لكنه لا يعرف كأديب منقطع النظير. أكتب قصائد افضل كثيرا من عملي السياسي.
لن نُخيف القُراء
ما الذي تنوي قوله في المناسبة في حيفا؟
أريد أن أتحدث كيف هاجرت من الكرمل وكيف اعود الآن، وأن اسأل نفسي لماذا هاجرت .
هل تشعر بالأسي لأنك غادرت في 1970؟
يثمر الزمن احيانا الحِكمة. علمني التاريخ ما هو الشعور المتهكم. سأسأل دائما سؤال هل أنا نادم لأنني تركت في 1970 . خلصت الي استنتاج أن الاجابة غير مهمة. قد يكون سؤال لماذا هاجرت من الكرمل أهم .
لماذا هاجرت؟
لكي أعود بعد 37 سنة. يعني ذلك أنني لم اهاجر من الكرمل في السبعين ولم أعد في 2007. كل شيء مجاز. اذا كنت الآن هنا في رام الله وفي الاسبوع القادم علي الكرمل وأذكر أنني لم أكن هناك 40 سنة تقريبا، فان الدائرة تُغلق وهذا السفر كله الذي طال سنين كان مجازا. لن نُخيف القراء. لا أنوي تحقيق حق العودة .
ولو أمكن أن تعود الي الجليل، والي حيفا والعائلة؟
كنتِ شاهدة كصحافية صحبتني آنذاك علي عظم مشاعري عندما أتيت في أول زيارة في 1996 بعد غياب 26 سنة وكان يفترض أن ألقي إميل حبيبي من اجل تصوير فيلم عن حياته. تأثرت وبكيت ايضا وأردت البقاء في اسرائيل. لكنني اليوم غير مستعد لأن أبدل بهويتي الفلسطينية هوية اسرائيلية. هذا سيحرجني فقط. معيار الحكم ذو الصلة اليوم هو ما الذي فعلته في هذه السنين. كتبت أفضل، وتقدمت، وتطورت وأتيت شعبي بفائدة من الجهة الأدبية .
ما رأيك في النقد الذي وُجه الي التوقيت الذي اخترته لقراءة قصائدك في حيفا، في ظل الازمة في المناطق وقضية عزمي بشارة؟
نحن نعيش، ولا أعلم ما الصحيح وغير الصحيح. كل وقتنا وتوقيتنا غير ذي شأن. ليست هذه المرة الاولي التي أزور فيها. كنت في 1996 وأبّنت حبيبي في الجنازة وكنت في 2000 وقرأت من شعري في الناصرة وكنت في مناسبة في المدرسة التي درست فيها في كفر ياسيف. لا استطيع أن أكون جزءا من نزاعات هذا الحزب لذاك. أنا ضيف الجمهور العربي كله في اسرائيل ولا أُفرق بين الحركة الاسلامية، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة أو حزب التجمع العربي. أنا شاعر الجميع. لا يجب علي ايضا أن أنسي أن لي الكثير من الكارهين بين الشعراء وبين من يظنون أنفسهم شعراء. فالحسد شعور انساني، لكن الامر يختلف عندما يصبح كراهية. هناك من يرونني خطرا أدبيا، لكنني أنظر اليهم نظري الي أولاد يجب عليهم أن يتمردوا علي أبيهم الروحاني. لهم الحق في قتلي، ولكن ليقتلوني في مستوي عالٍ، أي بنص .
أما تزال توجد لك علاقة بأدباء يهود اسرائيليين؟
لي علاقة بالشاعر اسحق ليئور وبالمؤرخ أمنون راز كركوتسكين. أنا أقل قراءة بالعبرية في السنين العشرين الأخيرة لكنني أهتم بعدد من الأدباء الاسرائيليين .
مجرية المقابلة: داليا كيربل
صحافية
ملحق (هآرتس) 13/3/2007