قلت في مقالة سابقة: إنّ الأردن عرف نسختين من الحياة الحزبية: الحزبية السريّة الكاسحة في خمسينات القرن الماضي، وستيناته، حيث كان الحزب يضم أو يوجّه عشرات آلاف المناضلين الذين كانوا مستعدين للسجن، والعزل من وظائفهم لقاء توزيع منشور حزبي، أو حضور اجتماع حزبي أو المشاركة في مظاهرة حزبية!
انتهت تلك المرحلة برعب لا شعوري وصل إلى أبناء من كانوا حزبيين وأحفادهم.
أمّا النسخة الثانية، فكانت أحزاب التسعينات التي فاضت بكل انتهازي، واحتلها كبار الموظفين؛ طمعًا في جنة أو خوفًا، من نار!!
انتهت هذه النسخة قبل اكتمالها ظنّا من السلطة بأنها صارت أقوى ممّا ينبغي!
هناك أحزاب اندثرت، وأخرى تشظّت، وثالثة ضعفت، ورابعة تطورت وصارت حزبًا جماهيريّا ذا شعبية كاسحة، وكبت أو هدّد كل صوت يختلف معه في مبادئه.
ونحن الآن أمام نسخة من أحزاب معظمها مُعَلّبٌ، بدأت وفق حركة إصلاحية "غير إصلاحية أبدًا "بتصويب أوضاعها وفق قانون الأحزاب.
استمعت إلى مؤتمر أحد أبرز الأحزاب الكبرى، يشكو من كل شيء: السياسة، والأخلاق، والانحرافات، والأسرة، والأفلام، والإباحية، ولم أسمع شيئًا عن التماثيل! لكنهم يشكون مثلي أنا الفرد المواطن الذي لا حول له ولا قوّة!
سمعت حرفيّا: لقد ناضلنا وعقدنا ندوات، وأصدرنا بيانات، ولم نهدأ!
هذا صحيح، فالأحزاب الصغيرة والكبيرة تجتمع، وتصدر بيانات- وما حدا رد عليها- وهنا المشكلة:
إذا كان لدينا حزب كبير جدًا أو حزبان، وسيطرا على المجتمع، وأخافا كل مواطن مخالف، وهدّدا بسحب جنسية ممثل-لاحظوا ممثّلًا-فكيف لو كان حقيقيًا!!!
المهم، إذا كان الحزب الكبير وغيره لا يملك من أدوات النضال غير البيانات والندوات، وإذا كان تأثيره على مجرى السياسات صفرًا كما قالوا بأنفسهم؛ فما معنى استمرارهم؟ سيطروا على عقول المواطنين وقلوبهم وأخافوا كل معارضيهم، وأنشدوا:
ملأنا البرلمانات حتى ضاقت عنّا، وملأنا كل زوايا المجتمع حتى رأس كل زاوية ولكن تأثيرنا على الحكومة كان صفرًا، إذ لم يستطيعوا ثنيها عن إصدار بيان رفضه معظم الناس؛ فماذا نتوقع من أحزاب مهندسَة!
هذا سؤال من مواطن؛ لماذا نتحزب والأحزاب الكبرى لا تؤثر على قضايا واضحة؟ ويسألونك عن الأحزاب، قل إنها تحت السيطرة!! أو قل: وما أدراك ما الأحزاب!