تقوم الأحزاب على أساسين: فكري وبرامجي، فهناك الفكر الذي تنبني عليه فلسفة الحزب وهناك ترجمة لهذه الأفكار عبر البرامج المختلفة التي يقدّمها الحزب بحيث تكون قابلة للتنفيذ، وهما أي "الفكر والبرامج" إنما يتشكلان في ضوء هدف سامٍ هو خدمة الدولة واستقرارها وديمومة بنائها و مصلحة شعبها، فلا تتقدم أي مصلحة أو فكرة أو هدف على مصلحة الدولة ودور الحزب فيها، وهذا هو الأساس الذي تقوم عليه فلسفة الحزب.
أما ما نشهده من سلوكيات تخرج عن هذه الأدبيات من بعض الأحزاب ممن يقدمون مصلحة الحزب وارتباطاته على مصلحة الدولة، فهذا غير مقبول، وليس مفهوماً في ظل فهم يقول إن ارتباط هذا الحزب الى الدولة شكليٌ أما ارتباطاته فخارجية أو حزبية لا تتسع للدولة، وهنا يتقدم الحزبي على الوطني والخاص على العام، وغالباً ما تتخذ هذه الأحزاب من قضية فلسطين عنواناً لعملها أو مناكفاتها إن شئت، فهي لا تريد خدمة القضية الفلسطينية وإنما تطرح نفسها في سياق المزايدات على الدولة، وهي مزايدات ومزايدات فقط؛ تهدف من ورائها الى دغدغة مشاعر الناس وكسب تعاطفهم وتوجيه إشارات الى مراكز ارتباطها الخارجية، بأنهم فاعلون على ساحة البلد؛ وقد شهدنا قبل فترة وجيزة بعضاً من هذه المزايدات التي يطلب من خلال بعض من قيادات الأحزاب بفتح الحدود مع فلسطين لتحريرها، وكأن الدولة تقف دون تحريرها والحزب هو الأمين وحده على هذه المهمة.
لا أستطيع فهم هذه السلوكيات منهم إلا في ضوء فهم قاصر لديهم لطبيعة العمل السياسي ضمن إطار الدولة والدولة فقط، وهي التي أثبتت أنها قادرة على الصمود والتحدي بهمة أبنائها وبناتها، وأعتقد ان مصير هذا الحزب لن يختلف عن مصائر الأحزاب التي سبقتها في الوقوع في وحل النسيان؛ فالدولة ومصلحتها واستمرارها أهم من الحزب ومَنْ فيه، إن كانت أجنداته خارجية أو يلعب خارج إطار مصلحة الدولة التي ينتمي إليها، ولنا في العالم العربي شواهد كثيرة خرجت فيها تلك الأحزاب من ساحة العمل سياسي الى السجون والملاحقات والمضايقات، لكننا في الأردن نتمتع بنظام سياسي متسامح يعرف حدود إمكانياته وخياراته الاستراتيجية وممكناته السياسية التي ينبغي على الحزب الوقوف عند حدودها.