في ظل الأزمات الكبيرة العالمية الكبرى بداية من جائحة كورونا واشتعال الحرب الأوكرانية الروسية، واضطراب سلاسل الإنتاج والتوريد بشكل عام في العالم أجمع، وأمام هذا الواقع توجه الأردن نحو تعزيز أمن الموارد وتوطين الصناعة ووضعها على رأس أولوياته، من خلال ترتيب الأولويات وانسجام الرؤى التشريعية بالتنموية، ووضع سياسات طويلة المدى برؤيا اقتصادية للوصول أن تكون المملكة مركزا للعديد من الصناعات ذات القيمة المضافة العالية القادرة على المنافسة في الأسواق الإقليمية والعالمية.
في عالم آخذ في العولمة ومتزايد الترابط وصل عدد سكان العالم ما يقرب من 8 مليارات في عام 2022، وقد تضاعف ثمانية أضعاف على مدى 200 عام الماضية، وقد يصل 10 مليارات بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، وتوقع المعهد الوطني الفرنسي للدراسات الديموغرافية ان يصل عدد سكان الأردن الى 15 مليون نسمة في عام 2050، مع تحديات المناخ والمياه وإنتاج الغذاء وموارد الطاقة المحدودة، حيث تشكل شبكة معقدة من الروابط المتداخلة.
يمثل إنتاج الغذاء 70 ٪ من استخدامات المياه العالمية و 6 ٪ من استخدام الطاقة العالمي، فالزراعة هي مساهم رئيسي في تغير المناخ ولكنها أيضًا القطاع الأكثر تأثراً به، يقدر المتوسط العالمي لإنتاج الحبوب المروية حوالي 4.4 طن / هكتار بينما تبلغ المحاصيل البعلية 2.7 طن / هكتار، فالقطاع الزراعي في الأردن يستهلك نحو 51 % من الموارد المائية. لذلك تلعب إدارة المياه دورًا مهمًا في استراتيجيات التكيف، يعد قطاع المياه في الأردن المستهلك الأكبر للطاقة بنسبة 15 % حوالي 345 مليون دينار سنوي.
الأردن وعلى الرغم من محدودية موارده المالية والمائية والطبيعية وموجات اللجوء من الأشقاء العرب، استطاع أن يحقق نتائج ملموسة على صعيدي الأمن الغذائي والتنمية الزراعية. حيث يحتل الأردن المركز (7) عربياً و (49) عالمياً بحسب مؤشرات الامن الغذائي للعام 2021 الذي نشرته مجلة “الايكونوميست”، حيث يأخذ هذا المؤشر بعين الاعتبار قضايا القدرة على التحمل من خلال عدة مقاييس (تكلفة الغذاء، توافره، جودته وسلامته، الموارد الطبيعية والقدرة على التحمل)، مع سعي لزيادة الناتج الزراعي بما يزيد على 20 % بحلول 2023.
إن إمكانات وآليات الاستثمار في الترابط بين ثلاثية الأمن الغذائي والمائي والطاقي، عبر تبنّي مقاربة مدمجة وتشاركية ومتكاملة بين السياسات المائية والزراعية والطاقية، من خلال سياسات عامة مندمجة وأكثر استباقية من أجل تحقيق الأمن المائي والغذائي والطاقي وحماية النظم البيئية، فالحاجة تتطلب تنمية موارد مائية جديدة لتوطين تكنولوجيا تحلية المياه وترشيد الاستخدام ورفع كفاءة منظومة الرّي المطري والتحوّل الى نظام ريٍ جديد وزيادة الوعي السكاني، وبخاصة لدى الشركات الزراعية ومشاريعها.
الطاقة المتجددة في الأردن تضخ في الشبكة الوطنية اليوم ما يقارب 2500 ميجاوات ما يقارب 29 % من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة في المملكة في عام 2022، وستغطي ما يزيد على 40 % من استهلاك الطاقة الكهربائية في عام 2033. وبالتالي الاستثمار في المناخ من خلال إنشاء محطات تخزين للكهرباء باستخدام السدود المائية، وتدعيم الشبكات بوسائل تخزين الطاقة الكهربائية بكافة أشكالها وتطوير مشاريع الهيدروجين وكهربة الاقتصاد، ستعزز أمن الطاقة وتقلل كلفها والفاقد منها.
استراتيجية أمن الموارد ستساهم في إتاحة نموذج جديد من الفضاءات الصناعية، تأخذ بعين الاعتبار رهان التنافسية الدولية والإقليمية وتستجيب لمتطلبات المستثمرين الدوليين وترتكز بالأساس على الشراكة بين القطاع العام والخاص بهدف تزويد السوق بمساحات وآفاق جديدة ومختلفة من حيث الوظيفة والخصائص لمختلف القطاعات الاستثمارية تعمل كحاضنات اعمال ومناطق للتنشيط الاقتصادي ومجمعات صناعية متطورة ومناطق لوجستية وحرة للتصدير وجذب أقطاب صناعية.
ستؤدي المناطق الصناعية المعززة بموارد مستدامة وبأسعار منافسة لى رفع حجم الصادرات وجنى إيرادات أكبر لاسيما مع حاجة الاقتصاد المحلى إلى مستويات تحفيز أكبر حتى ينمو بوتيرة أسرع، في إطار جهود المملكة لتوزيع مشاريع التنمية في أنحاء البلاد، تسهم في جذب استثمارات كبيرة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والسياحة والتعدين وصناعة المحيكات وإنشاء شبكات سكك الحديد لربط الانتاج بالموانئ الصناعية.
الغد