قدم لنا التاريخ قصصاً كثيرة للخدمة الإنسانية، وهناك من دون بضمير حي دون مبالغة ،وكان هناك الرحالة والمستشرقين التي خطت اقلامهم عن نساء الشرق او غيرهن ممن غيرن مجرى حياة المرأة ،فأقل ما يمكن قوله انهن غيرن التاريخ وسطرن أسمائهن كأعظم النساء في العالم .والعديد منهن كسرن أبواب التاريخ وتمكنا من الولوج به ليتركن بصمات لا يمكن محوها ، وتحديهن لأصعب وأشد العقبات والضغوطات ،فالأوابد الأثرية والخطوطات خير شاهد على ذلك الى اليوم. فاستطاعت المرأة أن تكون صرحاً ومنارة تنير للنساء طريقهن فكانت منهن الملكة والاميرة والأديبة والشاعرة والحاكمة والحكيمة والمحاربة وغيرهن ممن كانت لهن مراكز قرار واصبحن ذات شهرة تذكر الى اليوم.
لعبت النساء الكرديات تقليداً ودوراً هاماً في المجتمع والسياسة الكردية ومع اختلاف الوضع المعاصر للمرأة الكردية اختلافاً كبيراً بين البلدان التي عاش بها المجتمع الكردي مثل تركيا ،سوريا ،العراق ،إيران، أرمينيا ...الخ . وهذا ما ذكره الرحالة والمستشرقين والسواح والتجار الأجانب اللذين مروا بهذه البلاد ودنوا دور وفاعلية المرأة الكردية المناضلة ودونوا حكايتها بضمير حي ويؤكدون ان المرأة الكردية أنموذج للمرأة الشرق أوسطية فهي أكثر حرية وتحركاً من غيرها ومناضلة تخدم جنباً الى جنب الرجل في كل الميادين ،وقل نظيرها في العالم كله في القتال الى جانب الرجال فكانت المحاربة والمناضلة وأيضا الشاعرة والكاتبة التي التحم قلمها مع النضال للدرجة ان أقلام المستشرقين لم يستطيعوا ان يغضوا البصر عنهن او تجاوزهن عدا عن القصص والقصائد التي طرزت لهن وكتبت عنهم.
ومن الشخصيات النسائية اللاتي آثرن في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية ،الشاعرة والمؤرخة ماه شرف خان المعروفة ب(مستورة كردستان).الأردلانية او مستورة الكردية التي ولدت عام 1805م في مدينة سنندج عاصمة الامارة الاردلانية في ايران في فترة حكم أمان الله خان والد خسروخان ،عرف عنها شغفها للتاريخ الى جانب كتاباتها في الشعر والعقائد وتعتبر اول شاعرة ومؤرخة كردية.
تعود أصول مستورة خان الى عائلة استقراطية وكان والدها يكرس اهتمامه للتربية اولاده وكانت مستورة خان ابنته الكبرى موضع حب وفخر وحبه بالغ لها وكثيراً ما كانت ترافقه في زياراته الاثرية وللعشائر فتصغي للكتب الاساطير وتدونها في آفاق خيالها ،وكان جدها أحد وجهاء البلاد الكبار وكانت حياته مليئة بالاحداث وظل لمدة نصف قرن في فترة حكم أربعة أمراء اردلانيين، وفي عمر ال21 تزوجت ماه خان من الأمير خسرو خان الذي استلم حكم الإمارة الاردلانية عام 1826م وكانت تقوم بمرافقة زوجها في أعماله وزيارة وتفقد القلاع الأثرية والتاريخية والرعية والاستماع الى حكاياتهم وشؤون حياتهم فقامت بتأليف كتابها التاريخ (تاريخ اردلان ).
وقد ساعدت البيئة الثقافية في حينه في سنندج للكتابة وتدوين التاريخ وبدور ماه خان مارست كتابة التاريخ وبرعت فيه واشتهرت كشاعرة في قصائد الغزل والرثاء وكانت خطاطة رائعة فجمعت بشخصيتها الاصالة والنبل والنبوغ وتعدد الاهتمامات.
وكانت ماه خان تستوحي أفكار أشعارها من تحولات الحياة في مداراتها المختلفة مازجة بين الحلم والرؤية مفعم بنفحات روحها الهائمة ويمكننا ان نقول ان ديوانها اشارة نصر للمرأة في مجتمع لا صوت يعلو على صوت الرجل.
فالشاعرة مستورة تركت إرثاً غنياً في القرن الثامن عشر وكانت صاحبة قلم كسر القيود الذهنية في مجتمع ذكوري بكل تفاصيله.
ومن شعرها عندما وصفت رحلتها المؤلمة لدى ترحيلهم من بلادهم الى إمارة بابان قائلة :
لو حلق النسر وحدق فينا ... لسقط كل ريش جسمه
ولو كان البدر ساطعا في سمائنا ... لهوى في أعماق الأرض
تلك الحقبة التي توجت بإعمالها الأدبية ونظمت كتاباتها باللغة الكردية والفارسية وكانت رمزاً للمرأة ولها من الاعمال الادبية التي شكلت زخماً وإرثاً ثقافياً وتاريخياً للاجيال القادمة منها رسالة في العقائد / وكتاب مجمع الادباء ...الخ.
ومن المحطات الهامة انها تقلدت منصب وزيرة لتكون مسؤولة عن شؤون العائلة الحاكمة دون عن باقي نساء البلاط وكل ذلك يعود الى حرصها القومي في إعلاء شأن بلادها وفيض ثقافتها والوعي الثوري وتسخير قلمها للخدمة شعبها وعدا عن ذلك كانت زوجة خير رفيقة للزوجها وكانت تحرص دوماً على متانة العلاقة بينهم.
وتتطرقت بكتاباتها عن الغزوات والمعارك وعن البطش في محي آثار حضارتهم ولكن هذه الحضارة دونت بالادب الكردي الثوري التي نسجتها أنامل إمرأة كردية صاحب ادب ثوري مؤرخ لتنال لقب لؤلؤ الشعر الكردي بجدارة.
وبعد هذه اللآلام التي تعرضت له كانت وفاة الامير خسروخان عام 1835صدمة عنيفة لها اذا انها فقدت افضل معلم وصديق وكان العشق الذي بينهم هو الالهام لقصائدها ولعل التعبير عما كانت تختزنه من عشق وتدفق الاحاسيس هو ما كانت تعبر به بقصائدها..
توفيت الشاعرة والمؤرخة مستورة الكردية أثر مرض في عام 1847م بالسليمانية (كردستان العراق )ودفنت في مقبرة كردي سةيوان الى جانب الكثير من المشاهير والمثقفين الكرد.
أن واقع الشعب الكردي أضاف الى المرأة الكردية خصال كثيرة واكسبها هوية نضالية لتغذو خصلة متجذرة ومتوارثة وتميزها عن باقي نساء الشعوب الاخرى وهذا الامر الذي دفع بها لتلعب أدوار مهمة وقيادية في كافة الميادين وخاصة سلاح المقاومة الفكري من خلال العلم وتوظيفه للخدمة شعوبهن.