الإنسان خليفة الله في الأرض قال تعالى: ( إني جاعل في الأرض خليفة) ومن مقتضى الخلافة أن أنزل الله تعالى مع الإنسان الكتب السماوية لتكون لهم دليل هداية وفيها صلاحهم وهذا الشرف لم يحظَ به غيرهم من المخلوقات التي كانت قبل خلق الأنسان كما ذكر ذلك بعض العلماء منهم الطبري وابن كثير وغيرهم.
ثم جعل الله الأنبياء من البشر عليهم الصلاة والسلام هم صفوة الجنس الآدمي الذين يحملون هذا المنهج ويبلغونه عن الله تعالى للناس.
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم :( الأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد) وهنا يشير صلى الله عليه وسلم إلى وجوه الاشتراك والاختلاف بين الانبياء ودعواتهم فهم ( إخوة لعلات) اي شرائعهم وأحكامهم مختلفة، ولكن الدين واحد اي كلها من عند الله وجاءت لنشر دعوة الخير للناس .
يدعي البعض اليوم أن العلاقة بين أصحاب الكتب السماوية مبنية على العداوة وقائمة على التفرق والتشرذم، ولكن في هذا المقال نريد أن نسلط الضوء على المشترك الذي بينهم .
فالمشترك بين الأديان كثير منها :
أولاً: أنهم مشتركون في وجوب الإيمان بالله تعالى وكتبه ورسله قال تعالى ( كل امن بالله وملائكته وكتبه ورسله ) فكلهم جاؤا من مشكاة واحدة قال صلى الله عليه وسلم :( أنا دعوة إبراهيم وبشارة عيسى ).
فهذا وجه مهم من أوجه الاشتراك التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً: كل الاديان تشترك بدعوتها للخير والفضيلة فهم جميعا يحملون منهج الله وشرعته لتبليغها للناس لما فيه صلاحهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة.
والإسلام باعتباره الدين الخاتم لكل الأديان هو دين جامع شامل لكل ماجاء في الأديان السابقة وعلى لسان أنبيائهم، وهذا مفهوم كون الإسلام ناسخ للأديان أي جامع لكل الخير والنفع والفضيلة الذي جاءت فيه الأديان السابقة وليس النسخ بمعنى الالغاء ومصادرة الحقوق فهو الحافظ للأديان وكل ما جاء فيها من الأحكام والشرائع فقد حواها كلها وتحدث عنها كلها على أرقى وأتم ما حصل، فالواجب ان نحافظ على الاديان لا ان نزيلها .
ولذا قال صلى الله عليه وسلم : ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) ولأن ذكر تفاصيلها فيه توضيح وتفسير لبعض النصوص فيما لا يعارض ديننا.
ثالثاً: هم شركاء أيضا في التعاون فيما بينهم من أجل إيقاف آلة الشر والرذيلة في العالم لان هناك تيارات من بني البشر تبنَّت طريق الشيطان والنفس الامارة بالسوء، فزاد القتل والدمار والظلم والاعتداء على بعضنا البعض فمن يمنع هؤلاء من غيهم وضلالهم اذا لم يتوحد اصحاب الاديان الذين يتمسكون بالفضيلة والخير والنفع للناس .
رابعاً: كما أن أصحاب الكتب السماوية يذكرون الله ويعبدونه في أماكن أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه بخاصة في هذا الزمان الذي غفل فيه كثير من الناس عن عبادة الله وذكره، فقال تعالى : ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عزيز ) .
خامساً: أصحاب الأديان اليوم كلهم مدعوون لبناء الاوطان فهم يشتركون في مفهوم المواطنة فلكل واحد منهم الحقوق كاملة وعليه مسؤوليات يجب أن يتحملها من أجل بناء الأوطان التي ينتمون اليها .
ومما يؤسف له أن البعض يستغل الاديان من اجل تحقيق أهدافهم ومصالحهم الشخصية واثارة الفتن بين الناس ، كما أن البعض يستخدمها لتبرير ظلمه واعتدائه على الآخرين فالمتطرفون يسوغون أفعالهم الاجرامية باسم الاسلام او المسيحية، او اليهودية والدين منهم براء.
فعلى أصحاب الأديان العيش بسلام وأن لا يسمحوا للجشعين من البشر ان يفرقوهم من أجل مصالحهم، وان يركزوا على ما يجمعهم لا على ما يفرقهم .