الفلسطينيون والروس في مركب واحد
د.حسام العتوم
02-02-2023 10:44 AM
نعم الفلسطينيون اشقاؤنا وأهلنا وقلوبنا هنا في الأردن معهم لأنهم الجيران الأعزاء والنسيج المتداخل معنا، ولهم هويتهم الوطنية التي يعتزون بها، ولنا نحن الأردنيون هويتنا الوطنية التي نفاخر الدنيا بها، ونلتقي معا عند نبع البعدين القومي والديني الاسلامي والمسيحي، وهم اصحاب قضية عادلة ومعهم ومع كل العرب نشكل التاريخ المجيد الواحد، وثورتنا العربية الهاشمية المجيدة التي اطلق عنانها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي " طيب الله ثراه " عام 1916 هي واحدة، ووصايتنا الاردنية الهاشمية تغطي سماء المقدسات في القدس الشريف بإعتراف مشترك وروسي وعالمي أيضا، وما يصيب الفلسطينيون يصيبنا، ونهر الاردن الخالد يجمعنا ويوحدنا ولايسمح للإحتلال الإسرائيلي بالتغول على وطنهم الفلسطيني، وطن شعب الجبارين، أو على وطننا الأردني الشامخ، وطن النشامى، وورقة بحثية اعدها عشرات الضباط الإسرائيليين شكلت اجماعاً على تبني استراتيجية لحرب مفتوحة ضد الفلسطينيين نشرت حديثاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتفسر رؤية اسرائيل الحاضرة والمستقبلية بإستنزاف أهل فلسطين وعبر الأجيال المتتابعة، وهو مشروع استخباري اسرائيلي بطبيعة الحال لإضاعة وقت القضية الفلسطينية العادلة والباقية من دون حلول ناجعة حتى الساعة منذ عامي 4748، والحالة الفلسطينية اصبحت تشبه مثيلتها الروسية في ايامنا هذه، وفي وقتنا المعاصر، والروس اصدقاء لنا نحن العرب، وروسيا الاتحادية كذلك، ويعتبرون شرقنا العربي ويصفونه بالقريب، وهم الآن ومنذ اندلاع عمليتهم العسكرية التحريرية غير الاحتلالية الخاصة الإستباقية الدفاعية بتاريخ 24 شباط 2022 يواجهون حرباً مفتوحة شرسة تشتها عليهم ليست العاصمة " كييف " ونظامها البنديري والأزوفي المتطرف فقط، وانما الغرب كله بقيادة " حلف الناتو " المعادي لروسيا والولايات المتحدة الأمريكية بحجة حماية استقلال أوكرانيا بينما هي عينهم على استعمارها والتغول الى داخلها لمماحكة روسيا واستنزافها وحتى التخلص من وجودها واعادتها اقتصادياً للعهد السوفيتي، وعزلها عن العالم الخارجي كما يرسمون، وهو محض سراب.
وبالمناسبة فلسطين قريبة من روسيا عاطفياً ودينياً ووطنياً، والاردن كذلك، ففيها ولد السيد المسيح عليه السلام، وعُمِّد في المغطس فوق الاراضي الاردنية وبإعتراف الفاتيكان، وتجهيزات اردنية جديدة لإشادة متحف ديني هناك قرب النهر الخالد، ولروسيا اهتمام كبير بهذا الشأن، وسبق لجلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين " حفظه الله " أن قدم قطعة من الارض لبناء كنيسة روسية للحجيج الروسي، وهو ما تم فعلا، وكما هي أهم المقدسات الاسلامية في بلادنا العربية، يوجد في روسيا عمق ديمغرافي ديني اسلامي كبير قوامه ومع ما هو موجود في بلاد السوفييت السابقة يتجاوز العشرين مليون مسلم، واكبر جوامع العالم لديهم، والموقف الروسي شجاع وواضح في شأن القضية الفلسطينية، ويعتبرونها كما نحن عادلة، وهي كذلك، ويدافعون عن مثلنا نحن العرب في كافة المحافل الدولية، ويطالبون بدولة فلسطينية عاصمتها القدس المحتلة في اطار حل الدولتين الذي يصعب تحويله الى سراب كما يحلوا لفلاسفة السياسة في ديارنا وخارج اسوارنا، ويقفون أي الروس مع تجميد الاستيطان الإسرائيلي غير الشرعي فوق الأراضي العربية المحتلة، ومع حق العودة والتعويض، ومع ترسيخ الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، والأردن بقيادة جلالة الملك في واجهة الدفاع عن عدالة القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، وهو معني مباشرة بحلولها النهائية، ولدى الفلسطينيين والروس قناعة مشتركة بعدم عدالة الموقف الامريكي والمراوغ تجاه القضية الفلسطينية في المقابل، والواقع التاريخي يصعب العبث بمساره.
والقضية الفلسطينية تاريخية، وهي ليست معقدة كما يحلو تصويرها بسبب الاشكالية الدائرة من طرف اسرائيل معنا نحن العرب حول شرعية القدس التاريخية والدينية والجغرافية، وبسبب القراءات التوراتية الخاطئة وغير المنصفة للعرب، وبسبب سرابية هيكل سليمان، ولوهم الارتكاز الصهيوني على التوسع صوب مشروع ( اسرائيل الكبرى ) الذي يستحال تحقيقه، والعرب ليسوا مغفلين وقوتهم البشرية لوحدها تفوق قدرات اسرائيل الديمغرافية بشكل واضح، وزمن الاستعمارات ولى، والاحتلالات الى زوال لا محالة، والتاريخ شاهد عيان، وبساطة القضية الفلسطينية تكمن في قاعدتها القانونية الدولية عبر الأمم المتحدة وقرارات الشرعية الدولية "242/ 181" التي تطالب اسرائيل بمغادرة الاراضي العربية المحتلة من قبلها عام 67، والقضية الأوكرانية في الجانب الاخر الاصل انها بسيطة غير معقدة لو قبلت العاصمة ( كييف ) بالحوار المبكر المباشر مع موسكو أو عبر اتفاقية ( مينسك 2 ) الضامنة لسيادة أوكرانيا واستقرارها ولأمن روسيا الاتحادية جارة التاريخ الى جانب عموم المنطقة السوفيتية السابقة، لكن الغرب بقيادة أمريكا وحلف ( الناتو ) المعادي لروسيا والذي سبق في عمق الزمن المعاصر عام 2000 أن رفض انضمام روسيا اليه، حوَّل ( كييف – زيلينسكي ) لطعمٍ لسنارته بهدف استفزاز روسيا، واستنزافها، ولديمومة الحرب الباردة وسباق التسلح خدمة لحيتان تجار السلاح الغربيين، ولكي لا تبقى روسيا ناهضة، ومتفوقة عسكرياً، ومتعافية اقتصادياً، ولافشال قيادتها لعالم الاقطاب المتعددة المواجهة علناً لأحادية القطب الذي تقوده أمريكا بإسم الغرب .
قال دولة رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري في لقاء له جرى بتاريخ 30 يناير 2023 وبما معناه وقرأته باللغة الروسية " لايستطيع الاردن قطع علاقاته الدبلوماسية مع اسرائيل لاسباب سياسية ودولية، وبأن التطرف الاسرائيلي الذي قتل اسحق رابين لازال يهدد فلسطين والاردن معاً، ويعمل على تغيير قاعدة نظام العمل الحكومي لديهم، والمطلوب من الاردن حماية نفسه عبر العمل الدبلوماسي ". انتهى الاقتباس.
وتعليقي هنا هو بأن السبيل الوحيد لمواجهة التطرف الاسرائيلي خاصة بعد صعود حزب الليكود الى السلطة في تل -ابيب هو توحيد الجبهة الفلسطينية، وجبهة العرب كذلك، وربط السلام العربي – الاسرائيلي بقيام دولة فلسطين كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة، وعقد تحالفات عسكرية ومعاهدات دفاع عربية مع دول كبرى مثل روسيا الاتحادية والصين لكي لاتبقى اسرائيل تلوح بتهديد العرب بحلف ( الناتو ) رغم صداقته الشكلية لهم، وللاحتقان الفلسطيني حدود، والشعب الفلسطيني الشقيق مكافح ومناضل، وصاحب قضية عادلة وتاريخ، وان نفذ صبره سيفلت الوضع الامني غرب النهر عن عقاله، ومواصلة الغرب الامريكي الاحتكاك بروسيا الاتحادية وبوتيرة متسارعة وتصعيدية سيقود حتما لحرب الكبار النووية المدمرة في زمن لا مكان فيه للبشرية غير الكرة الارضية، وليس أجمل من السلام الذي يعني للجميع التنمية الشاملة .