التعليم والمعلم والمتعلمون وأشياء أخرى
د. أميرة يوسف ظاهر
02-02-2023 10:13 AM
يعاني التعليم والمعلم والمتعلمون في وطننا كما في أوطان تشاركنا ذات القيم والتركيبة الانثربولوجية من حالة تشتت تذرها عالقة بين حاجتها للوقوف على رأس التغيرات التي تضعها على خارطة النجاح في الفضاء المهني المتغير من خلال تطوير الطلاب وخلق عقلية التطوير الذاتي للمعلم والمتعلم، وإنشاء برامج جديدة وعناصر حيوية تحدث تغيرا جذريا في التعليم، وبين تبنيها لدور ناقل المعرفة الذي لم يعد هدف التعليم ولا دور المعلم ولا حاجة المتعلم.
وفي وطني الأردن لا يختلف اثنان على أن هناك تدنٍ في واقع المعلم مع تصاعد في أدوات التعليم، وقد يسير المعاملان بشكل عكسي وذلك مغاير لواقع عملية التعلم الذي يفترض أن يرتقي المعلم مع ارتقاء أدوات التعليم بشكل طردي، ولعل أهم ما يؤثر في واقع المعلم ومستواه الاجتماعي والاقتصادي هي القوانين التي أجحفت حقه، فالمتجهون لمهنة التعليم يتم اختيارهم وفق خيارات العرض والطلب، ومهنة التعليم لا يعترف بها كمهنة مع أن هناك مئات آلاف المعلمين، الذين هم خط الدفاع الأول عن المجتمع، فالجميع يمرون من خلالهم إلى كل قطاعات المجتمع المدنية والعسكرية، والمجتمع الأردني آمنا بفضل نسبة الأمية التي هي في حدها الأدنى بفضل نتاج المعلم، وكان على المشرع وصانع القرار أن يدركا أهمية دور المعلم، ويعدا مدخلات مهنة التعليم كأفضل المدخلات من بين جميع المهن الموجودة، وهذا يجعلنا نفكر مباشرة بواقع مهنة التعليم التي تم انتقاص شرعيتها كمهنة حين تم النظر لنقابة المعلمين وكأنها صورة لأحد الأحزاب المؤدلجة، وهذا باطل شكلا ومضمونا؛ إذ أن على المؤسسات ذات الصلة أن تنظر لنقابة المعلمين على أنها انعكاس لمهنة التعليم والمعلم الأردني الذي ينظر بأسى لكل الذين ساهم بتخريجهم وهم يتبوؤون نقاباتهم ومهنهم، إذ أن لهم من يدافع عنهم ويطالب بحقوقهم المادية والصحية والاجتماعية.
وجدير بالذكر أنه في الوقت الذي يكون فيه إحداث تحول في مضمار التعليم على رأس أولويات المجتمع الدولي فيجند ويحفز خبراء تربويين؛ لتكييف التعليم للتصدي لاختلال المناخ والتغيرات الاجتماعية ومواكبة الثورة الرقمية وغيرها من تحديات، نجد أن المعلم يغيب عن وزارته كوزير ويغيب عن صناعة المستقبل لسياسة الوزارة التي يتواجد فيها في القطاعين العام والخاص، ويبقى السؤال الحتمي والخطير، كيف سنحمي هذا الجيل ونبني مستقبل يليق بما تنحني إليه الحضارة البشرية دون أن يكون للمعلم دور واسع وهام؟، وكيف ننظر للمعلم بدونية ونحن مقبلون على مستقبل يستأثر بتفصيلاته على طرق استعداد الناس لمهنهم المهنية بالتعليم؟، وهل المناهج المعلبة سلفا قادرة على تعبئة مجتمعا متقدما؟.
وبنظرة عابرة ستجد لكل قطاع حكومي حيوي مجلسا يصنع سياساته ويراقب تطوره إلا في التربية والتعليم، فإنك ستجد أمره يسير دون أية متابعة وتطوير، وقد كنا في ماضٍ قريب نستأنس بمؤسسات تطويرية حقيقية، غير أن هناك من يتحدث عن مؤسسات ستتولى الامتحانات، وأخرى ستتولى التوجيهي والتكميلي، بعد أن تم إبعاد تطوير المناهج عن يد المعلم وأوكل لمؤسسات لا نشك بنبل وطنية القائمين عليها، ولكننا نضع ألف خط تحت أهداف متوخاة من اتجاهات هذا التطوير الذي يسلخنا شيئا فشيئا عن ثوابت دستورنا ومجتمعنا.
"سقا الله" أياما أصبح فيها معلم التاريخ في إحدى المدارس رئيس حكومة، ومعلمين آخرين تبوؤوا فيها مناصب وزارية.
ومن هنا أزج نداء لوزير التربية والتعليم الحالي معالي د. عزمي محافظة بعد أن تم دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، -في حين لا نعرف هل سيكون منصفا أن تقارن مدرسة في أطراف الريف والبادية بإحدى الجامعات- ومع هذا فنداؤنا برسم الأمل: أن ينظر للمعلم بشكل يضمن حقوقه ومستقبله وتأهيله، وأن يكون هناك إعادة نظر في واقعه، فالمتوفر ليس كافيا ليقوم المعلم بدور رئيسي تجاه مجتمعه ووطنه.