كثير الحياء ، شديد العزيمة ، صاحب مروءة عالية، كريم النفس، عفّ الفرج واللسان، لم يُعرف الا بتقواه، حسن المظهر وجميل المُحيّا.
عن عمّي وشقيق والدي الاستاذ المرحوم محمود الفرحان الشيّاب(ابو معاذ) أتحدث .

ولأننا شهداء الله في الأرض، ولأن ذكر محاسن الموتى مدعاة للدعاء له بالخير والرحمة فقد جالت ذكرى صاحب هذا الوجه الحسن في خاطري يوم أمس وتذكرت جميل خصاله فكتبت عنه راجياً من الله له الرحمة ومنكم الدعاء.

عمي أبو معاذ (عليه وعلى معاذ الرحمة من الله) من الجيل التربوي القديم الذي أخذ على عاتقه إعداد جيلٍ صلبٍ وعظيم، وقد شغر موقع مدرس في الكثير من مدن وقرى المملكة وفلسطين ثم اصبح مديراً للمدرسة الاعدادية في الصريح التي كان طلابها "رجال" فترة السبعينات من القرن الماضي وهي اقدم مدرسة في الصريح ، وكانت همته لا تفتر ، يتابع ويحاسب بنفسه كل معلم يُقصّر بأداء واجبه فكان يهابه المدرسون ويتابع كل طالبٍ يتغيب أو يُقصّر في دراسته ، وكان أشد ما يكون على ابنائه ثم الذين يلونهم من الاقارب ثم الجميع مرسخاً بذلك فكرة العدالة والنزاهة بشكل عملي ،كان له خطاب قبل الامتحانات بيوم لجميع الطلاب حيث يعتلي منصة خاصة بالمدرسة ما زالت الى هذا اليوم -وأشهد أنه خير من اعتلى المنصات-اذكر منه النص التالي : ايها الطلاب، غداً يوم الامتحان، غداً يُكرم المرءُ أو يُهان ، إذا دعتك امّك الى النوم فقل: ذهب عهدُ النومِ يا أماه.....الخ.

كان ذا مذهب صوفي ، زاهدٌ في الدنيا بطريقة عجيبة، وأذكر انني كنت في منزله يوماً لاستقبال وفدٍ من اهالي الصريح على رأسه معالي الشيخ عبدالرحيم العكور ليطلبوا منه الترشح لموقع رئيس بلدية الصريح ايماناً منهم بأمانته ونزاهته ، فضحك كثيراً واوضح لهم بشكل جلي أنه ليس من طُلاب هذه المواقع ،وعند اصرارهم طلب منهم فتوى من إمام الصوفية بالشام الشيخ الشاغوري رحمه الله وذك على سبيل التعجيز.

كان من روّاد المسجد ولا يعرف الكثيرون عنه انه كان يفتح المسجد يومياً قبل اذان الفجر بساعة أو أكثر ليقوم الليل ويتهجد حتى اذان الفجر الذي غالباً ما كان يكون امام الفجر بالمصلين ، دون أن يتكلم يوماً عن هذا ، حتى أقعده المرض ، فكان حامداً شاكراً صابراً حتى لقي الله تعالى .

ولقد ذكر لي أحد الذين أحسبهم من الصالحين أنه سمع ممن قرأ عليه لحظة إنزاله الى قبره سورة الواقعة حتى اذا وصل الى الآية (وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم ) فاذا بصوت يخرج من القبر يقول :والله ما كنا من المكذبين، فسأل الذي يقرأ من على القبر هل سمعتم ما سمعت فأكدوا له ذلك .

رحم الله عمي الاستاذ ابو معاذ وتقبله في الصالحين ورحم الله ابنائه الذين سبقوه ومن لحقه ، ورحم الله جميع المسلمين ، وجمعنا الله بهم في عليين يوم القيامة في مقعد صدق عند مليك مقتدر.