تديين إسرائيل للصراع مع الفلسطينيين
حسين بني هاني
01-02-2023 09:30 AM
أفضل نصيحة يمكن ان تقدمها استخبارات إسرائيل إلى نتنياهو بعد دوامة العنف الأخيرة، هي اطلاعه على تلك العبارة الفلسطينية التي ملأت شوارع المدن الفلسطينية ، والتي تدعو الشباب الفلسطينى الى "تجنب الموت الطبيعي " .
بل ان صحيفة الاوبزيرفر البريطانية دعت إسرائيل لكي تدرك ان جيلًا جديدا من الفلسطينيين قد نشأ بعد الانتفاضة الثانية دون أمل ، وقالت انه ليس لديهم ما يخسرونه، جيل مسلح كما تقول لا تربطه أية روابط مع الفصائل الفلسطينية ويحظى بشعبية كاسحة في وقت تفقد فيه السلطة الفلسطينية -وفق الصحيفة- الشرعية والسيطرة، بل وينظر إليها باعتبارها -السلطة- المتعهد الفرعي للاحتلال الاسرائيلي ، خاصة بعد ان أصبح نتنياهو رهينة بيد شركائه المتطرفين في الحكومة مقابل حصوله على حماية من الملاحقات القضائية التي تتهمه بالفساد، وهو -نتنياهو- الذي يخشى ان تنتقل الأجواء المشبعة بالتحريض في اطار قومي وديني هذه المرة، إلى مساحات أخرى داخل الخط الاخضر ، مما ينذر بتوسيع نطاق العنف ، خاصةً بعد لغة التلاوم التي بدأت تظهر بوضوح بين معسكري اليمين واليسار الاسرائيلي.
يخشى عقلاء إسرائيل، ان تكون دوامة العنف هذه مقدمة لانتفاضة شعبية جديدة ، وذلك في ضوء دراسة مسحية فلسطينية-إسرائيلية مشتركة أجريت قبل شهر تقريبا ، تقول بأن دعم عملية السلام في ادنى مستوياتها ، وأقرت بوجود زيادة للكفاح المسلح بين الفلسطينيين ، وزيادة في عدد اليهود الداعين الجيش لشن عملية عسكرية كبيرة لتحطيم القدرات العسكرية الفلسطينية ، اذ افادت الدراسة بأن ٦١ بالمئة من الفلسطينيين و٦٥ بالمئة من الاسرائيليين يعتقدون بإن إنتفاضة ثالثة باتت تلوح في الأفق.
المشكلة بالنسبة لنتنياهو في ظل هذه الأجواء المأزومة، هو أولئك الوزراء الذين لا زالوا يبحثون عن إرضاء جمهورهم ممن وُعِدُوا بكسر إرادة الفلسطينيين ، وهو ما جعل نتنياهو يحذر الاسرائيليين من مغبة انتزاع القانون بأيديهم والتورط بعمليات إنتقامية خشية امتداد دوامة العنف وحدوث الانفجار العظيم كما تقول "يديعوت احرونوت" ، خاصة في ظل انقسام المجتمع الاسرائيلي وانسداد الأفق السياسي وضعف السلطة الفلسطينية، ورفض مجرد فكرة التفاوض معها.
الجديد في المواجهة بين الفلسطينيين والاسرائيليين اليوم، هو تديين الصراع بعد انزياح إسرائيل نحو اليمين وتأييد غالبية الاسرائيليين لتيارات دينية غيبية اخذت تتحرش بالحرم القدسي ورأت صحيفة "هاآرتس" ـن عناصر الانفجار بسبب هذا التحرش أخذت تتراكم تدريجيًا في الميدان، في وقت تبدي فيه إدارة بايدن قلقها من محاولات أعضاء في هذه الحكومة لتغيير قواعد اللعبة الديمقراطية والإجهاز على مبدأ فصل السلطات، وسيطرة الكنيست على قرارات المحكمة العليا، بل دعت هذه الصحيفة نتنياهو الى "لجم وزرائه العنصريين وتحاشي السقوط في الهاوية" والتورط بانتفاضة شعبية ثالثة.
منذ مذبحة جنين والصحافة الاسرائيلية تذكّر نتنياهو كل يوم بأن دوامة العنف لا ينقصها أعواد الثقاب ،وأن عليه شكم حلفائه المتطرفين في الحكومة ، كي لا يشعلوا النار الكبرى ، بعد ان وصفت عملية علقم الفلسطينية ، بأنها عملية ملهمة للشباب الفلسطيني ، تهدف الى تدفيع إسرائيل ،ثمن القتل الذي تشهده الساحة الفلسطينية ، على أيدي الجيش والمستوطنين ، حتى بات المشهد بين النهر والبحر، مشهد توزيع سلاح وحلوى إسرائيلي فلسطيني ، مشهد بات شديد التعقيد ، ودفع مسؤول اميركي لوصفه بالأفق المجنون ،خاصةً أولئك الذين يدفعهم بن غفير لارتكاب مخالفات للقانون ،لقد أيقظت عملية جنين حسب الصحافة الاسرائيلية " مَيلَ التقليد بعد ان خرج فلسطيني لم يتعدَ الثالثة عشرة لتنفيذ عملية أطلاق نار ضد الاسرائيليين "بعد ان شكلت عملية جنين" محفزاً لتصعيد دراماتيكي في الميدان " .
أظن ان على نتنياهو ان يصغي اليوم جيدًا لصوت العقل بعيد استقباله لوزير الخارجية الاميركي، وأن يصغي لكل التحذيرات الداخلية التي وردت اليه، وأن يكبح جماح المتطرفين في حكومته إذا اراد ان يتجاوز هذه الموجة العنيفة ،بعد ان حذر رئيس دولة إسرائيل يتسحاق هيرتزوغ ،من احتمال إنهيار إسرائيل خلال سنوات قليلة ،بفضل تمزق المجتمع الاسرائيلي ، وغياب لغة الحوار ، معتبرًا بأن الوضع الداخلي "بات يشبه برميل متفجرات على وشك الانفجار" ، مبديًا قلقه الكبير من"مستقبل الديمقراطية في إسرائيل " بعد ان اصرّ نتنياهو وفريقه المتطرف على تعديلات دستورية ، من شأنها المساس باستقلال القضاء وهو الأمر الذي حذرت منه إدارة بايدن أيضا.