بعد كل الحملات والاجراءات لتشجيع اقبال الاردنيين على الانخراط في التدريب المهني ما زالت نسبة الملتحقين بهذا البرنامج لا تتجاوز الـ 5 بالمئة من مجمل طلبة التوجيهي, لذلك لا نستغرب تزايد عدد الوافدين الذين يعملون في مهن لم يعد الاردنيون يقبلون عليها نتيجة مجموعة من الاسباب التي لا مجال لذكرها حاليا.نحن في الاردن بتنا من الدول المصدرة والمستوردة للعمالة في آن واحد, فاذا كان لدينا اكثر من نصف مليون اردني مغترب في الخارج يعمل معظمهم في مهن واعمال تحتاج الى مهارات علمية عالية المستوى, فان في المملكة اكثر من مليون عامل وافد من شتى الجنسيات يعملون في مهن حيوية ورئيسية للاقتصاد الوطني, وبالتالي لا تستطيع الحكومة ان تحل العمالة المحلية بدلا من الوافدة من دون ان تخلق اجواء العمل التي تجذب الاردنيين الى تلك الاعمال.
العاملون في الاردن خاصة من يعمل منهم في قطاعات المقاولات والزراعة لا يجد الحد الادنى لظروف عمل مناسبة تدفعه لمواصلة العمل لفترات طوال, ففي اغلب الاحيان لا يوجد ضمان اجتماعي او تأمين صحي لهؤلاء العمال الذين ينتقلون من ورشة الى اخرى بين ليلة وضحاها , بسبب ضعف الرقابة الحكومية على ارباب العمل الذين لا يطبقون التشريعات والتعليمات التي تنظم حقوق العاملين, وهذه المسألة تتحملها الحكومة التي اصبحت سياساتها في هذا الشأن ردة فعل فقط من دون ان يكون لديها استراتيجية واضحة المعالم لسنوات عديدة تستطيع من خلالها ان تجعل من الاعمال المهنية والحرفية المختلفة بيئة اعمال لا تقل في مستوى خدماتها ورواتبها عن من يعمل في قطاع البنوك او التأمين على حد سواء, وبالتالي تتغير نظرة المجتمع الى تلك الاعمال.
تحفيز الاردنيين للانخراط بالمهن الحرفية التي يسيطر عليها الوافدون يتطلب تنظيم الرقابة على هذه الانشطة التي ينخرط بها كل من شاء من دون تدريب او حتى الحصول على رخصة لمزاولة المهن, وهنا يقتضي من مؤسسة التدريب المهني بالتعاون مع الجهات المعنية العمل على تخريج اردنيين مدربين ومرخصين لمزاولة اعمال حرفية, بدلا من ترك المواطن فريسة سهلة لكل من قال انه ميكانيكي او كهربائي او بليط او غيرها من المهن التي لا يوجد على من يزاولها اي رقيب.
لكن مسألة احلال العمالة المحلية بدلا من الوافدة لا تتم بين ليلة وضحاها كما تسعى الحكومة الى فعله الآن, فالعمالة الوافدة باتت عنصرا رئيسيا لمسيرة التنمية التي لا تستطيع السير للامام من دونهم, حتى ولو قامت وزارة العمل بزيادة رسوم الاستقدام وتصاريح العمل اضعاف ما هي عليه الان والتشديد على الصناعيين في تشغيل اردنيين وتقليل اعتمادهم على الوافدين, فان ذلك لن يغني ولن يسمن من جوع, لسبب بسيط هو ان أرباب العمل سيرفعون من كلف انتاجهم بمقدار قد يكون اكثر من كلف الاستقدام نفسها من جانب, اضافة الى تعطل اعمالهم في بعض الاحيان من جانب آخر, فالاردنيون ما زالوا لا يقبلون على تلك الاعمال, وبالتالي ستتأثر بيئة الاعمال والتنمية والاستثمار المحلية نتيجة سياسة حكومية متشددة تجاه العمالة "كلمة حق يراد بها باطل", الا اذا كان قصد الحكومة من مسألة زيادة رسوم الاستقدام هو توفير الاموال لمشاريع مختلفة ومنها تدريب وتأهيل العمالة المحلية.
اذا ارادت الحكومة ان تجعل المواطنين راغبين في الانخراط في سوق العمل المهني والحرفي, فعليها ان تفعل العمل بقوانين الرقابة على ارباب العمل اولا, لمنع الاستغلال, وزيادة دور الهيئات العمالية المختلفة لحماية العاملين, ثم توفير بيئة اعمال محفزة للعمل المهني الذي يحتاج كغيره من الاعمال الى حقوق تأمينية وصحية غير متوفرة الآن على الاطلاق وبمرأى من الحكومة والقطاع الخاص معا, والا كيف نفسر ما خرجت به الاحصاءات العامة من نتائج في مسح العمالة والتشغيل الذي بين ان حوالي 85.3 بالمئة من الاردنيين تقل رواتبهم عن 300 دينار شهريا.