لما كان الكرم أحد تجليات مكارم الاخلاق، لانها أحد الصفات الربانية التي يتحلى بها الانسان تخلقا باخلاق ربه وخالقه، فان صفة البخل المذمومة في الكتب السماوية وعند اهل الحضارات الانسانية وأصحاب الفطرة السوية، هي صفة شيطانية لانها تعكس عدم الثقة بما عند الباري من خير وكنوز لا تنفد.
ولذلك اقترن البخل بضعف الايمان، وبمخالفة الفطرة الانسانية خاصة عند العرب المشهورين بالكرم، وما خلد التاريخ حاتم الطائي الا لكرمه، ولذلك عندما اشتهرت طائفة من المسلمين من أهل مرو في العصر العباسي بالبخل كان ذلك مثار دهشة مجتمع المسلمين، مما حفز الجاحظ ليؤلف كتابه «نوادر البخلاء» والذي قدم من خلاله نقدا اجتماعيا لاذعا لهذه الطائفة البخيلة والتي تسبب بخلها في وضعها موضع السخرية والفكاهة حتى يومنا هذا.
فلا فضيلة تذكر للبخيل حتى لوكان عابدا ناسكا، وحين مُدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: «فما خيرها إذًا»، وقال بشر الحافي: «البخيل لا غيبة له» لأن من صفات البخلاء الماكر و الخداع وهو مثل الثعلب والغراب، لا يسطيع أحد الاستفادة منهما مهما تصنعنا بتقديم يد العون، ولذلك فلا يحظى البخيل بحب الناس أبدا، ولا شفقتهم وتعاطفهم إذا ما أصيب بمصيبة.
ويتهكم الشعب العربي على البخيل بالعديد من القصص التي تنفر وتسخر من البخلاء على لسان الحيوان مثل قصة عزيمة «ابو الحصين" التي يضرب بها المثل لمن يدعي انه يريد مساعدتك و الاخذ بيدك فيظهر لك انه قدم اليك شيئا و يثبت هذا على نفسه لكنك لا تستطيع الاستفادة ابدا مما قدمه لك.
تقول القصة «إن الحصيني دعا طيراً طويل المنقار لوليمة شهية، ولكنه قدم الطعام في صحن طويل مسطح، يصعب على الضيف الاكل منه، لطول منقاره، ويسهل على المضيف الأكل لأنه يلعق بلسانه! ومثلها قصة دعوة الغراب للثعلب الى شجرة من الشوك حيث أخذ الغراب يأكل من الشجرة دون أن يمسه ضر أما الثعلب فلم يستطع بسبب الشوك، ليرد الثعلب الدعوة بدعوة الغراب إلى الطعام على حجر أملس صلب فأكل الثعلب بلحس الطعام أما الغراب فلم يستطع فكلما نقب نقبة آلمه منقاره.
تذكرت قصص الثعالب والغربان وانا أرصد التحولات الأخلاقية والمسلكية في مجتمعاتنا العربية لا قول ما اكثر ما نعيشه اليوم من مكر وخداع الثعلب «ابو الحصين» وصديقه الغراب من بخل وانانية وتدمير للشعوب وتضييع للامانات حفظنا الله من شرروهم.
(الراي)