نقف على شرفة منزلنا، نترقب المطر حين ينساب، بحنان ليمتزج بالأرض وترابها ويروى الزرع ويسقي فؤاد الظمئان، وكأن كل قطرة مطر ذكرى ورسالة من السماء الى الأرض وأهلها، فشرفات منازلنا التي نرتقب منها الشتاء الذي يروي الروح، ماهي إلا الشرفة التي ننظر بها إلى عمر، أقبل الشيب ليكون زينته، ولكي تحكي قصصا من عالم الخفاء الى عالم العلن واعماق القلب والفؤاد.
تلك التفاصيل الغائبة، فلم يُبدع رسام ولا فنان برسم لوحة، أو التقاط صورة لشيخ كهل يرتشف قهوته، في مقهى عتيق بالي، في جو ماطر بارد، إلا انه يعلم علم اليقين، أن العمر يتوقف عند هذه اللحظة، لحظة تأمُّلٍ، فيها كثير من الحسرة على أيام مضت، بين ذاكرة صفراء لا تحمل سوى ورق متساقط، أو انه استوقفه لحظات لتوديع غائب، أو مكان تعلق به الروح والجسد والفؤاد، أو غصة في القلب لحياة مضت نسى بها أن يعيش.
عيون غائرة مبللة الدمع، وهيفي حيرة اثناء مشاهدتها الطرقات الغالية على القلب، وازقة مليئة بالذكرى، أصدقاء فارقوا عينيه، تعب تقوس الظهر له وانحنى، وحسرة وغصة على ساعات، وربما ايام وسنوات ذهبت بالكد والغيض، والزعل، ليمضي كل شيء، ويكتشف الكهل العجوز، انه أمضي من العمر ما أمضي بحياة مليئة بالمعارك المزيفة، والتضحيات الفارغة، حتى يبقى وحيدا، لا ونيس ولا صديق ولا حتى حبيب، سوى فنجان القهوة، وصوت المطر في مقهى قديم مهترئ بالي.
وبالمقابل مراتع الطفولة البريئة التي تنسينا هموم الحياة، وهذه هي الحياة بين الم وامل ودموع وشموع، وفرحة وترحه، والسعادة هي ما نخلقه لأنفسنا من الجو الذي يبعدنا عن الشعور الإلام , ونحن بين الطفولة البريئة وربيع العمر وكهولته