تواجه أسواق العمل في القرن الواحد والعشرين العديد من التحديات نتيجةً للتطور التكنولوجي والتوسع الهائل في الأعمال، إضافة الى احتدام المنافسة بين المؤسسات والمنظمات وسرعة العمليات المطلوبة لنيل رضا العملاء، وهذا يجعلها بحاجة ماسة الى التغيير والتكيف وفقاً لما تفرضه طبيعة كل مرحلة، بحيث تحافظ الشركات على أكبر قدر ممكن من الاستقرار.
ولأن التغيير هو الثابت الأبرز في العصر الحديث (1) فإن قيادة المنظمات تلعب دوراً هاماً في إدارة واشراك الأفراد أثناء عملية التغيير من خلال أساليب تحافظ على كفاءة الموظف وتقلل من مقاومته للتغيير إضافة الى تحسين العمليات الإدارية والتنظيمية، ولأن التغيير مع تقدم الزمن حاصل لا محالة، فإن إدارة التغيير مشكلة بحد ذاتها يصعب تحقيقها (2) فبالرغم من الدراسات المكثفة حول التغيير التنظيمي الا ان 70% من التغيير داخل المنظمة يؤدي الى الفشل او تكون نتائجه دون المستوى المطلوب (3).
تناقش المقالة أثر الدور القيادي في اشراك وإدارة الافراد والحفاظ على استقرار المؤسسات أثناء التغيير التنظيمي من خلال أساليب متعددة، وتجيب على مجموعة من الأسئلة أهمها: ما هو تعريف التغيير التنظيمي؟ وما هي أسباب مقاومة الموظفين للتغيير؟ وما هي نتائج التغيير غير المدروس؟، واخيراً ما هي الأساليب التي تستخدمها القيادة الفعالة لإدارة عملية التغيير والحفاظ على المؤسسات اثناء التغيير؟.
يحب الموظفون الاستقرار في بيئات العمل والابتعاد عما يزعجهم، كالمهام الجديدة التي ربما تشكل عبئاً إضافياً عليهم او استخدام التكنولوجيا الحديثة التي تحتاج الى تنمية مهاراتهم، لذا فان التغيير التنظيمي يخيف الموظفين ويؤدي الى الارباك في العمليات اذا لم يتم بالطريقة الصحيحة، والتغيير التنظيمي هو تغيير الشركة او المنظمة للعمليات والمهام بداخلها او إعادة ترتيب الهيكل التنظيمي او تغيير الثقافة وشكل الإدارة بناء على عوامل داخلية او خارجية، ولكن ليس دائما ينتج عن التغيير نتائج إيجابية، فتظهر العديد من الدراسات ان التحول التنظيمي يسبب اثاراً سلبية، لذلك فإن الدور القيادي في إدارة التغيير يعتبر عاملاً حاسماً في استقرار المنظمات.
إن التسرع في تنفيذ الأوامر التغييرية او ضعف الدور القيادي في إيجاد خطة منظمة لإدارة التغيير إضافة الى مقاومة الموظفين للتغيير يمكن ان ينتج عنه أثار سلبية ومنها:
-خسائر مالية فادحة ونفقات عالية نتيجة التغييرات المستمرة (4)، على سبيل المثال تحاول العديد من الشركات اسناد أوامر عمل جديدة الى الموظفين بدلاً من تعيين موظفين جدد، مما يؤدي الى تشتيت في تركيز الموظفين اللذين لديهم مهام أصلية، فتبدأ نتائج التأخير والمماطلة وعدم تحمل المسؤولية وضعف الأداء مما يجعل المدراء يستعينون بكوادر خارجية استشارية لحل المشكلات او إعادة تعيين موظفين اخرين ولكن في الوقت الضائع، فتكون الشركة قد تكبدت المصاريف والمستلزمات اضعاف ما كانت عليه.
-استياء الموظفين وشعورهم بعدم الاستقرار مما يؤدي الى ضياع الفرص والكفاءات، وهذا يجعل المنظمة اقل موثوقية، وذلك نتيجة التغيير التنظيمي الذي لا يراعي قدرات الموظفين او يعمل على تحسين مهاراتهم، فدخول التكنولوجيا لابد ان يرافقها التدريب والتطوير الذي يحتاجه الموظف حتى يشعر بالرضا الوظيفي.
-ضعف النتائج والعمليات الإدارية نتيجة التخبط والتسرع، كوضع الحلول المؤقتة بدلاً من الالتزام بخطط طويلة ومدروسة، مما يؤخر من عوائد الاستثمار او حتى يمنع الاستثمار والذي يحتاج الى حلول طويلة ومستقرة.
ولكن يبقى السؤال الأهم، لماذا قد يرفض الموظفون التغيير بالرغم من انه قادم لا محالة؟، واليكم الأسباب التالية:
1)الغموض والجهل بأسباب التغيير ومقاصده، وبحسب العديد من الأكاديميين فانه عندما يواجه الناس التغيير فانهم يشعرون بعدم الارتياح وتظهر مؤشرات الخوف (5)، فالغموض يفتح العديد من الاحتمالات امام الموظف ومنها تقليل الرواتب او سوء الأداء او انهاء العمل.
2)الخوف من العقاب في حال كشف عدم الكفاءة، إن العمل الروتيني يحجب الكفاءة (6) واي تغيير جديد ربما يكشف نقاط ضعف الموظف لذلك يقاوم الموظفون التغيير تجنباً للإحراج في كثير من الأحيان.
3)يعتقد الموظفون ان تغيير المزايا الوظيفية يكون بسبب صعوبات اقتصادية، على سبيل المثال توفر بعض الشركات من النفقات مثل تغيير فئة التأمين او تقليل مزايا الموظفين، وهذا يشعر الموظف بعدم الاستقرار المالي وبالتالي يقاوم التغيير.
4)شعور الموظف انه ليس جزءاً من المنظمة او وجوده بطريقة غير فعالة وبالتالي يقاوم التغيير لأنه مقتنع انه لن يساهم في هذا التغيير ولن تكون له بصمة فيه.
إن الدور القيادي في إدارة التغيير يعتبر أساس الحفاظ على المنظمة اثناء تنفيذ المساقات التغييرية، كما ان الدور القيادي الفعال يقلل من مقاومة الموظفين، لان القادة يؤثرون على الناس، لذلك كلما تمتع القادة بقدر اكبر من الالتزام فانهم يصبحوا قدوة للموظفين (7)، ان القيادة التي تعزز مبدأ المشاركة بين جميع المستويات داخل المنظمة وتبادر في الغاء الحواجز بين المرؤوسين والمدراء، وتشجع على المبادرات وتتحول من التوجيه والسيطرة الى التحفيز وإعطاء المساحات والاستماع الى الموظفين، ومناقشة أفكارهم تكون أكثر نجاحا من تلك القيادة التقليدية، ومن الأساليب التي تساعد على تبني نهج مرن وفعال اثناء إدارة التغيير:
التواصل الفعال وبناء الثقة:
إن روح العمل الجماعي والتواصل الفعال بين جميع الموظفين يعزز من دور الافراد ويقلل من مقاومة التغيير (8)، وهذه وظيفة القائد الفعال، حيث يحاول دائماً ان يكون جسراً للحوار واستماع وجهات النظر وتبني الأفكار الإبداعية، مما يعزز من استقرار المؤسسة.
تأهيل الموظف وتدريبه:
تحتاج المنظمات الى تطوير أنظمتها ومواكبة التقدم التكنولوجي، وبالتالي تعمل على تغيير في العمليات وأساليب الإدارة كعقد الاجتماعات عن بعد او اعداد تقارير من خلال برامج متقدمة، لذلك فإن دور القائد الفعال هو إزالة العقبات والحواجز وتوفير التأهيل وتنمية مهارات الموظف بما يتلاءم مع رؤية المنظمة، إن المدير هو مدرب وباني ومطور (9) وهذا من شأنه ان يساعد على قبول التغيير.
التخطيط الاستراتيجي:
يجب على القادة تقديم وتوضيح قضية التغيير من خلال رؤية مقنعة للموظفين وتشجيعهم على المساهمة في الحلول (10) ويكون ذلك من خلال التخطيط الاستراتيجي والذي يشارك فيه الموظفين عن طريق أخذ آرائهم وارسال استطلاع يحثهم على المشاركة، ومن ثم وضع إجابات على الأسئلة الرئيسية لماذا التغيير وما هو الناتج وكيف يتم ذلك؟، يجب على القيادة الفعالة السعي الى تطوير رؤية المنظمة واستخدام الموارد المناسبة للتخطيط بعيد المدى ووفقاً لجدول زمني معروف للجميع.
التحفيز والمكافآت
إن تصرفات القائد تؤثر في الموظفين بشكل مباشر، فعندما يتمتع القائد بالمصداقية ويكسب احترام الموظفين، فإن هذا يشعرهم بالطمأنينة والأمان وبالتالي يتوقعون ان يكون تقييمهم أكثر عدلاً ويقدمون المناسب ويتقبلون التغيير، ويكون دور القائد تقديم الحافز كالمكافآت المادية او المعنوية ويدرك كفاءة كل موظف مما يحفز ويشجع روح العمل فيه (11).
وفي النهاية لابد من التأكيد على الدور القيادي الفعال اثناء التغيير داخل المنظمات والمؤسسات، والذي يكون بالتخطيط واشراك الموظفين وتبني أفكارهم وتشجيع طروحاتهم وتمكين المهارات لديهم، بدلا من السيطرة والتحكم والتوجيه، فالقائد المرن بأفكاره هو من يتقبل الموظفون التغيير معه، بل ويسعى الجميع للتطوير من اجل استقرار المنظمة بدلاً من مقاومة التغيير.
مراجع:
(1) Sterman, J.D. (2000), Business Dynamics; Systems Thinking and Modeling for a Complex World, Jeffrey J. Shelstad, Indianapolis, IN.
(2) Ahn, M. J., Adamson, J. S. A., & Dornbusch, D. (2004). From leaders to leadership: Managing change. Journal of Leadership & Organizational Studies, 10(4), 112-123.
(3) Axelrod, R. H., Axelrod, E., Jacobs, R. W., & Beedon, J. (2006). Beat the odds and succeed in organizational change. Consulting to Management, 17(2), 6-9.
(4) Kiefer, T. (2005). Feeling bad: Antecedents and consequences of negative emotions in ongoing change. Journal of Organizational Behavior, 26(8), 875-897.
(5) De Jager, P. (2001). Resistance to change: A new view of an old problem. Futurist, 35(3), 24 27.
(6) Robbins, S. P. (2003). Organisational behaviour: global and Southern African perspectives: Pearson South Africa.
(7) Rogers, R., Hunter, J. E., & Rogers, D. L. (1993). Influence of top management commitment on management program success. Journal of Applied Psychology, 78(1), 151-155.
(8) Drucker, P. F. (2004). What makes an effective executive. Harvard Business Review, 58-63.
(9) Lee, I.A. (2008), “Relationship between the use of information technology and performances of human resourses management”, Degree of Docotor of Business Administration, Alliant International University, San Diego, CA.
(10) Higgs, M. (2006). The challenge of change management: What do we really know about effective leadership in change management. The Conference Board Executive Action Series (178), 1-5.
(11) Kotter, J. P. (1995). Leading change: Why transformation efforts fail. Harvard Business Review, 73(2), 59-67.