سؤال يتكرر في اكثر من مجال اعلامي وسياسي: هل سيقاطع الاسلاميون الانتخابات النيابية فيما لو استجدت ظروف تجعلهم يشعرون بأن الامور ليست طبيعية؟هذا السؤال عزز وجوده لجوء بعض اوساط الحركة الاسلامية للتهديد بالانسحاب من الانتخابات البلدية قبل اسابيع عندما تحدثوا عما يعتقدون انه تجاوزات من الحكومة.
من الناحية النظرية؛ فإن خيار المقاطعة ممكن وموجود كأحد خيارات اي قوة سياسية، لكن من الناحية العملية يبدو خيار المقاطعة ضعيفاً ان لم يكن مستبعداً لافتقاده الى ارضية فكرية او سياسية او مصلحية، وضعف خيار المقاطعة تعززه العوامل التالية:
1- إن تجربة مقاطعة الانتخابات النيابية عام 1997 وما احدثته من فراغ وغياب الخيارات الاخرى ترك قناعة بأن المقاطعة ليست طريقاً مجدية للاحتجاج او معاقبة الحكومات. فالمقاطعة تركت جدلاً وآثاراً إعلامية عدة اسابيع، لكن مع انطلاق المجلس كانت الوقائع الجديدة ان الحركة فقدت احدى ادوات التأثير والتحرك، كما ان تركيبة معادلة المقاطعة داخل الحركة تغيرت، ولهذا لم تعد هنالك قوى دفع حقيقية لتبني فكرة المقاطعة، وهذا الامر لا يعني ان الحركة تخلو من اوساط لا تؤمن بجدوى المشاركة في البرلمان، وهذه القوى تعززت قناعاتها بما جرى في قضية النواب الاربعة، لكنها قوى ليست قادرة على توجيه مسار الحركة، يضاف اليها بعض من لم يعجبه الاداء النيابي وله تحفظات على الحضور لكنها مواقف اجرائية محدودة التأثير.
2- إن القوى المؤثرة في مسار الحركة تحمل قناعات سياسية ومصلحية بأن المشاركة امر حتمي وضروري، وحتى لو اضطر البعض للتهديد بالمقاطعة فإن هذا لا يغير من عمق القناعة بضرورة المشاركة في كل العمليات الانتخابية.
3- إن تغيراً جذرياً اصاب الفكر السياسي للعمل الاسلامي في العالم العربي جعل من المشاركة امراً بديهياً. هذا التغير اضعف الفكر الذي يؤمن بالمقاطعة، فإخوان مصر ورغم كل معاناتهم مع النظام السياسي المصري الا انهم شاركوا بكل المواسم الانتخابية بما فيها انتخابات مجلس الشورى التي قاطعتها احزاب المعارضة المصرية. يضاف الى هذا التغيير الفكري الذي تركته مشاركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي بل وقيادة حكومة السلطة تحت الاحتلال، الى جانب هذا مشاركة الحزب الاسلامي العراقي في انتخابات تحت ظل الاحتلال الاميركي بل والمشاركة في حكومات وقيادة مجلس الحكم الانتقالي الذي اسسه المندوب السامي الاميركي بريمر.
طبعاً هنالك فرق بين واقع الحركة في الاردن والتجارب الاخرى، لكنني اشير الى تغيير جذري في الفكر السياسي الاسلامي في العالم العربي، ما يترك اثاره على مجمل العمل الاسلامي في المنطقة.
4- وفي الحديث عن خيار المقاطعة يعتقد البعض ان ما يمكن ان يجري في المراحل الاخيرة من الانتخابات البلدية مما تعتبره الحركة إضعافاً لحضورها قد يعزز خيار المقاطعة، لكن ان حدث امر كهذا في الانتخابات البلدية فقد يؤدي الى ردود فعل ميدانية مثل اعلان انسحاب مثلما حدث في انتخابات بلدية الزرقاء عام 1995 لكن هذا لن يكون سبباً في دفع الحركة لاتخاذ موقف عام يجعلها تدفع ثمناً مشابها لمقاطعة انتخابات عام1997.
5- إن الجدية الكبيرة التي تتعامل من خلالها الحركة مع الانتخابات النيابية يمكن قراءتها تحليلياً باعتبارها نوعاً من السير بحماس نحو المشاركة. فالمتابع لوسائل الاعلام يقرأ عن بدء عملية الترشيحات الداخلية والاستعداد الجاد لفرز المرشحين، كما ان الدعوة الدائمة من الحركة للحكومة للاعلان عن موعد الانتخابات تفهم في هذا السياق، بخاصة اننا جميعاً على يقين ان الانتخابات ستجري وفق القانون الحالي وبعدد الدوائر ذاتها، اي ان القانون وثباته ليس عائقاً كما كان الحال في الانتخابات الماضية، فالفكر والمصلحة والمصالح اقوى من تداعيات اعتيادية في مسار العلاقة بين الدولة والحركة.
كل ما سبق يدخل في باب التحليل لما يظهر في وسائل الإعلام، لكن الطفرة في الموقف والانتقال من المشاركة الى المقاطعة تحتاج الى طفرة في الواقع الحالي، ولعل السؤال الاهم من الحديث عن المقاطعة هو عن كيفية المشاركة فهذا قد يكون الموضوع الأكثر تأثيراً في حجم حضور الحركة في المجلس القادم.
sameeh.almaitah@alghad.jo