مستقبل العمل الحزبي واستحقاقات التأقلم
د. أميرة يوسف ظاهر
31-01-2023 08:22 AM
واحد مما يربك المشهد السياسي هذا الإقبال المتواضع الذي حظيت به الأحزاب التي نالت القبول والاجتياز من الهيئة المستقلة للانتخابات، والمؤسسات ذات الصلة، وتجاوزت الحدود الدنيا من عدد الأعضاء حيث كان الإقبال متواضعا في معظم الأحزاب التي تم قبولها، وهي الأحزاب التي كان لها سبق التأسيس على الصعيد الوطني، وقد كنا بعد صدور القوانين والتشريعات الخاصة بالعمل الحزبي، وبعد شروع وسائل الإعلام القيام بما يمكن أن يقال عنه بأكبر عملية ترويج للأحزاب في تاريخ المملكة، وهذا عدا عن الكثير من المحاضرات والندوات في الجامعات والمؤسسات الشبابية من قبل وزارة التنمية السياسية والبرلمانية، والهيئة المستقلة للانتخابات، ومع هذا كان الإقبال شحيحا ومتراجعا عما توقعناه.
آن للمواطن في المراحل العمرية المختلفة (الشباب والشيخوخة) وبالنوع الاجتماعي (رجال ونساء) أن يتفهم وجود مظلة حزبية لحياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأصبح من الأهمية إدراك معظم الأحزاب القديمة والجديدة لدرجة عجزها في أن تكون مظلة قادرة على تقديم حلول اجتماعية واقتصادية وسياسية وأن تكون في المجتمع والوطن تحت ظل الأمان، ويطرح التساؤل عن تراجع أداء الأحزاب: هل يعود إلى عدم قدرة الدولة على المزاوجة الناجحة بين مؤسساتها الرسمية والعامة وبين الأحزاب البرامجية التي لم تستطع أن تكون وصفة جاهزة لأن تشكل منها حكومات برلمانية لإدارة الدولة والارتقاء بها؟، لقد حان الوقت لفهم العمل الحزبي في إطار ديمقراطي تكنوقراطي، بحيث يتم اقتلاع الفساد و"الشيخوقراطية" اللتان عملتا على تراجع الدولة في كافة القطاعات.
إن العمل الحزبي في الأردن في ظل وجود أرخبيل الأحزاب التي لن تقدم الكثير بانحياز معظم مؤسسيها إلى رغبتهم في استلام دفة القيادة، وهذا ما يجعلهم راغبين بوجود أعضاء غير جديرين بما يمكن من أن يكونوا روافع للعمل الحزبي، إذ أن الثقافة الحزبية الواعية للدور والفكر الحزبي السليم لم يتبلورا بعد، مع أن هناك بعض من الأحزاب اليسارية واليمينية قد قدمت أمثلة في تكتلها داخل مجلس النواب وخارجه، وعمل كثير من أعضائها كعاملين في العمل العام وزراء وأمناء ومدراء بطريقة جعلت النظر إلى تجاربهم يدعو للاحترام، وهناك بعض الأشخاص والأحزاب أثبتت وجودها في الساحة السياسية من خلال نجاحاتها النسبية في مجلس النواب وفي انتخابات القائمة الوطنية في أعوام خلت.
فماذا على المؤسسات التعليمية والشبابية وعلى القطاع النسوي والقطاعات الأخرى أن تفعل إزاء ما يحدث لتفعيل العمل الحزبي، وكيف يمكننا أن نقوم بتقوية الأحزاب بعيدا عن التدخلات؟، على الدولة بكل مؤسساتها أن تتدخل لتقوية الجسم الحزبي، وأن يكون هناك جهد أكاديمي وشبابي، وأن تنشط وزارة التنمية السياسية التي يلقى على كاهلها تأهيل المجتمع سياسيا، فلا يعقل أن يكون هناك أحزاب تدير حكومات في ظل شلليات وعائلات وصالونات لم تخرج من كياناتها السابقة، فالأحزاب تبنى على الفكر السياسي المنفتح مع كل المدارس السياسية في العالم، وليس على كانتونات وجزر يخلو الكثير منها من الفكر الرزين، وتخلو من منظرين في كافة القطاعات لتشكيل حكومات ظل، وأن تنفتح الأحزاب باتجاه ذاتها، فأحزاب الوسط تستطيع أن تقدم كيانا واحدا، وأحزاب اليسار تقدم خلطة متجانسة في الفكر اليساري، بينما تستطيع الأحزاب المحافظة أن تكون كيانا محافظا واحدا، وإذا اتفقنا في هذه الأطر فسيكون متاحا أن نشجع الناس إلى الانضواء في العمل الحزبي بشكل يمنع التقوقع الاجتماعي والجهوي.
وأخيرا فإن العمل الحزبي عمل وطني صادق يخلو من الإقليميات الضيقة والعنصرية البغيضة، ويقدم العضو نفسه في أي حزب كم لديه إمكانية في خدمة وطنه ونظامه السياسي.