منذ اكثر من ثلاثين عاما اصبح موضوع الفساد عند الأردنيين من اهم ما يشغلهم، وبعد الازمة الاقتصادية في نهاية الثمانينيات واكتشاف الناس الكارثة التي غيرت الكثير بعد تغير سعر صرف الدينار، اصبح الفساد الموضوع الابرز في حملات مرشحي الانتخابات وفي الاعلام واحاديث الحكومات وخطابات التكليف والثقة وكل موسم.
وحتى في فترة الحراك عام 2011 كان الملف حاضرا في كل التفاصيل وما يزال موضوع مكافحة الفساد ومعاقبة الفاسدين حاضرا مع كل منعطف اقتصادي او رفع اسعار، فحساسية الأردنيين لملف الفساد عالية جدا لأنهم يرون فيه سببا رئيسا من اسباب المشكلة الاقتصادية والمعيشية.
وربما آن الاوان ومنذ زمن ان يكون حديث كل المؤسسات التنفيذية والتشريعية وكل مسؤول عن مكافحة الفساد بعيدا عن التهديد والوعيد او الحديث الانشائي، لأن هذه الأساليب في مخاطبة الناس حول موضوع الفساد اصبحت تترك أثرا عكسيا عند الناس، فالناس التي لديها مشكلة في الثقة في علاقتها مع الحكومات لا تتأثر كثيرا بأي تهديد او وعيد للفساد بل نجد رد الفعل عكسيا وفيه مزيج من التهكم والسخرية واشياء اخرى.
وربما على اي مسؤول ان يدرك ان ذاكرة الناس حاضرة وان اي حديث عن نزاهة شخص او مؤسسة يتم تقييمه بالأداء وليس بالادعاء النظري، وان الحكومات تحتاج الى بذل جهد كبير حتى تقنع الناس بأن هذا الفعل او ذاك خال من المحسوبية او الفساد او تبادل المصالح، ولهذا فلغة الخطاب حول ملف مكافحة الفساد من اي جهة تنفيذية او تشريعية يجب ان تخضع للتغيير وان تعتمد على المعلومات والارقام والتفاصيل، وليس الحديث العام او اطلاق التهديدات بحق الفساد والفاسدين وخاصة الصنف المهم جدا من انواع الفساد.
على كل حكومة ألا تنسى ان هناك تغيرات كبيرة في تضاريس الأردنيين وقناعاتهم وطريقة تعاملهم مع الامور، لهذا فإن ما كان من ادوات لم يعد قادرا على الفعل بل يترك آثارا عكسية كبيرة.
أفضل الطرق لإقناع الأردنيين بمحاربة الحكومات للفساد هي الارقام والقضايا المهمة التي تتم احالة المتورطين فيها للقضاء، ومع تراكم الارقام والقضايا ووقف الممارسات الخادشة للنزاهة من اي حكومة او مسؤول يمكن ان نراكم مصداقية وثقة، وكما ان اطلاق التهم العامة دون تفاصيل من اي شخص حول الفساد امر سلبي، فالحرب العامة التي تعتمد على الانشاء والكلام العام لها نفس الاثر السلبي.
(الغد)