حتى تعرف السلط جيداً.. عليك أن تتعلم كيف تنتظر أصدقاءك بجانب كازية (البحبوح) وحتى تفهم تاريخ (القلاية) عليك أن تتلقى دعوة على مطعم (أبو خميس).... وحين تريد أن تسمع اللهجة السلطية المعتقة لا بد من المرور على (أبو العبد) مروان الحمود في منزله... والجلوس تحت شجرة السرو والحديث معه .. وهناك فقط تلمح إرث عبد الحليم النمر الحمود في وجه مروان وشجيرات السرو... وفي باب الدار وحتى في الجدران.
للسلط تشكيل اجتماعي مختلف، فالناس هناك لديهم إنتماء لجغرافيا.. كانت أول من جمع رموز الدولة في مدرسة السلط وعلمتهم شعر محمود سامي البارودي.. وأبجديات الرفض والهوى القومي.. وتلك الجغرافيا أيضاً، أنتجت «صالح المعشر» الذي قاد في فترة ما حزباً أردنياً وصنع حراكاً سياسياً ناشطاً ...
على كل حال وكما قلت حتى تعرف السلط جيداً لا بُدّ من المرور على (أبو العبد) فالدار هناك لا تخلو من الزوار وستكتشف في لحظة تأمل أن منزل هذا الرجل فيه من الزهد الوطني ما فيه.. والأهم أن الأردن يعود إليك هناك ان داهمك الاغتراب.. ففي لجّة الليل يضيء وجه هذا الرجل.. في السلط وحدها سمرةُ الرجال تضيء المجالس.
ما حدث مؤخراً في السلط .. ليس بالأمر الذي يدعو للأسف بل يدعو إلى مراجعة السلوك أكثر... وفي هذا الصدد... يجب أن نسجل لوزير الداخلية... أنه ادرك ما يحدث وتجاوز اللحظة خارج اطارها الأمني... بل باطار وطني.. وهذا الأمر يعود إلى أن المسؤول في الدولة حين يفهم الأبعاد الاجتماعية والجغرافية ويفهم تاريخ المكان يستطيع أن يتصرف بذكاء ووطنية.
لم يتعامل وزير الداخلية بمنطق (الطبطبة) بل تعامل بوعي وادراك واعترف بخطأ ارتكبه فرد لا يمثل جهازاً بل يمثل نفسه.. ولهذا استطاع أن ينزع فتيل أزمة.
من يفهم السلط، سيعرف كيف يداوي جرحها ومن يلمس سمرة الرجال هناك في عتمة الليل وكيف تضيء السمرة المكان سيعرف كيف يجعل قلبه مضيئاً وعامراً بالحب.
ذات صباح قال وصفي التل: «ما دام سراجنا فيه زيت خلوّه ضاوي».. ولا أظن أن سراج السلطية قد نفد منه الزيت... ولا حتى سراج بلادنا ...
... حمى الله الأردن.
عن الراي.