رد الطعن بدستورية قانون منع الجرائم
الدكتور سعود فلاح الحربي
29-01-2023 07:04 PM
لا يخفى على أحد ان مفهوم دستورية القوانين يعني عدم مخالفة النصوص القانونية في أي قانون لنصوص المواد الدستورية، كذلك لا يخفى ان للمحكمة الدستورية وظيفتان: الأولى: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، والثانية: تفسير نصوص الدستور بطلب من مجلس الوزراء او أحد مجلسي الامه الاعيان او النواب.
ويجري الطعن امام المحكمة الدستورية في دستورية القوانين والأنظمة النافذة بطريقتين: الأولى: مباشرة، والثانية: غير مباشرة او ما يعبر عنها فقهاً، الدفع بعدم الدستورية الفرعي، اما الطعن المباشر فيكون بدعوى مباشرة امام المحكمة الدستورية ومن يملك حق الطعن المباشر بعدم الدستورية مجلس الوزراء او احد مجلسي الامه، الاعيان او النواب، حسبما اشار قانون المحكمة الدستورية رقم 15 لسنة 2012 وتعديلاته، اما الدفع بعدم الدستورية الفرعي فيكون بمناسبة قضية منظورة امام المحاكم النظامية، فيدفع احد اطراف القضية بعدم دستورية القانون او النظام الواجب التطبيق على القضية المنظورة، حيث تقوم المحاكم النظامية وعبر اجراءات رسمها قانون المحكمة الدستورية لإحالته عليها حتى تنظره وتبت فيه من حيث دستوريته من عدمها، وهذا ما حصل في القرار مدار بحثنا.
وقد أصدرت المحكمة الدستورية بتاريخ 15/ 1/ 2023 قراراً لها يقضي برد الدفع بعدم دستورية مواد في قانون منع الجرائم هي المادة 3 الفقرة 3 والمادة 5 الفقرة 2 والمادة 8 بداعي مخالفاتها للمواد الدستورية ذوات الأرقام 8، 27، 101، 102، 103، 128. وهذه المواد هي القلب الصلب للقانون وكانت لسنوات طويلة عرضة للانتقاد من فعاليات عريضة وقبل أن نعرض لقرار المحكمة الدستورية سنعرض وبشكل ملخص للمواد المطعون بدستوريتها ومن ثم نعرض للمواد الدستورية التي ظن الطاعن انها تخالفها.
ان مواد قانون منع الجرائم الوارد ذكرها انفا تتعلق بالأشخاص الذين يتم ربطهم بكفالة يجد المحافظ او المتصرف انهم يشكلون خطرا على الناس كذلك قرارات المحافظ - بعد اجرائه التحقيق اللازم - القاضية بوجود أسباب كافية تدعوه بتكليف الشخص المعني ان يقدم تعهدا، واذا تخلف الشخص المكلف بتقديم تعهد يسجن او يبقى مسجونا الى ان يقدم التعهد المطلوب، اما المواد الدستورية التي ظن الطاعن ان مواد قانون منع الجرائم التي تم ذكرها سابقا تخالفها فهي تتعلق بعدم جواز التوقيف او الحبس وتقييد الحريات الا وفق احكام القانون، كذلك استقلالية السلطة القضائية وعدم التدخل بشؤون المحاكم النظامية بوصفها تمارس حق القضاء على جميع الاشخاص فضلاً عن عدم تأثير القوانين الصادرة بموجب الدستور على المساس في الحقوق والحريات.
وتلخيصاً لما تم طرحه آنفاً فإن الطاعن تقدم بدفع فرعي بعدم الدستورية - كما بيّنا سابقا هذه الطريقة – ليصل دفعه الى المحكمة الدستورية حيث اراد بذلك ان يثبت ان عمل الحاكم يأتي من باب التدخل في عمل القضاء، لكن قرار المحكمة الدستورية جاء على نحو مخالف لما أراده الطاعن وعلى هذا فان المحكمة الدستورية لا ترى ايه شبهه او مخالفه دستوريه لمواد قانون منع الجرائم المذكورة او المطعون بها.
القيمة القانونية للقرار الصادر عن المحكمة الدستورية.
تُعد المحكمة الدستورية هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها تتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة ماليا واداريا، وتوسم قراراتها الصادرة بالطعون المقدمة لها او القرارات التفسيرية بانها نهائية وملزمة لجميع السلطات بما فيها السلطة القضائية وحجه على الكافة راجع المادة 15 فقره أ من قانون المحكمة الدستورية.
الخلاصة.
ان قرار المحكمة الدستورية القاضي برد الدفع بعدم دستورية مواد من قانون منع الجرائم متعلقة بالتوقيف الإداري هام جدا ويعد انتصارا لعمل الحاكم الإداري لا بل اني اراه نقطة تحوّل لها ما بعدها في عمل الحاكم الإداري، وينهي جدلا طويلا حول صلاحياته المتعلقة بالتوقيف او تلك المتعلقة باتهامه انه يتدخل بعمل القضاء وقد كان حكم المحكمة الدستورية واضحا وداعما لقانون منع الجرائم واضافة شرعيه جديده للقانون، كنا ندافع عنه على استحياء بحجة المحافظة على النظام العام، وهو دفاع حقيق وقائم على وقائع قانونية مسلم بها، كذلك تنبع اهمية صدور مثل هذا القرار بانه ملزم للكافة ولسلطات الدولة الثلاث بمعنى انه لا يمكن ان يتصور صدور قرار مستقبلا عن محكمة نظامية تدين فيها عمل حاكم اداري توافقت اجراءاته مع قانون منع الجرائم لأنها بذلك ستخالف قرار المحكمة الدستورية.
*أستاذ القانون الدستوري والإداري المساعد