السودان والامن الغذائي
السفير الدكتور موفق العجلوني
22-05-2023 02:41 PM
الأمن الغذائي من اهم القضايا الأساسية التي تشغل بال الكثير من دول العالم وخاصة الدول العربية. لما لهذه القضية من أبعاد اقتصادية واجتماعية وحياتية ومصيرية. وقد ادرك العالم انعكاسات الازمة الروسية الاكرانية و خاصة موضوع القمح الذي يشكل الوجبة الرئيسية لدول العالم و خاصة دول العالم الثالث، و بالتالي يعتبر القمح هو العيش، اسماً و معناً .
تعاني الزراعة العربية بصفة عامة من فجوة كبيرة في قطاعات الإنتاج النباتي والحيواني حيث تسود الأساليب التقليدية للزراعة والرعي والصيد. يضاف إلى ذلك مشكلة أخرى تتمثل في تناقص نسبة أعداد سكان الريف في الوطن العربي إلى إجمالي السكان منذ منتصف التسعينات بسبب إرتفاع معدلات الهجرة من الريف إلى المدينة في معظم الدول وضعف حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي وضعف البنية التحتية والخدمات الاجتماعية والخدمات المساندة وبخاصة خدمات التمويل والتسويق الزراعي.
وتعتبر قضية الأمن الغذائي من القضايا الأساسية التي تشغل بال الدول العربية لما لها من أبعاد إقتصادية وإجتماعية وسياسية. وقد شرع العديد من الدول العربية في إعتماد خطط وإستراتيجيات لتطوير قطاعاتها الإنتاجية الزراعية سواء تلك المتصلة بتطوير قطاع الإنتاج النباتي أو الثروة الحيوانية . وقد تم تقدير الفجوة الغذائية للمجموعات السلعية الرئيسية في الوطن العربي خلال الأعوام الاخيرة بنحو ٣٥ مليار دولار. وتبلغ قيمة الفجوة في انتاج الحبوب حوالي ٢٠مليار دولار، واللحوم نحو ١٠ مليار، والالبان ومشتقاتها ٥ مليار. وإذا ما استمرت عمليات التنمية الزراعية في الدول العربية بمعدلاتها الحالية في المستقبل، يتوقع أن يصل حجم الفجوة الغذائية إلى نحو ٧٠ مليار دولار عام ٢٠٣٠.
ما دعاني للكتابة حول هذا الموضوع الحديث الطيب والذي يبشر بالخير حديث سعادة سفير السودان المعتمد في المملكة الأردنية الهاشمية السيد حسن صالح حسن سوار الذهب. و بعد سماعي لسعادة السفير والرجوع الى مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية و الذي حقيقة بجهازه البحثي زودني بمعلومات قيمة عن السودان والخيرات التي يتمتع بها من ثروة مائية و نباتية و حيوانية و معادن نفيسة و بترول و غاز و ذهب و ايدي عاملة، علاوة على ما تضمنته محركات البحث الرقمية عن السودان، وجدت ان للسودان الدور الأساسي والرئيس ليس فقط في حل مشكلة الامن الغذائي في السودان، و لكن في العالم العربي و افريقيا و يمكن ان تمتد اليد الطولي بالخير الى اطراف العالم الأخرى .
و مع تسليط الضوء على دور السودان في معالجة الفجوة الغذائية من خلال النعم التي حباها الله سبحانه و تعالى و التي لو اعطي السودان الفرصة و خاصة في المجال الأمني والاستقرار و عدم التجاذبات الدولية حول السودان، لأخد السودان طريق التقدم و الازدهار، و لعمت خيرات السودان عالمنا العربي و العالم. فلو عرجنا قليلاً على الإمكانات المتوفرة بغزارة، و على عدد السكان لكان العالم العربي كله في امن غذائي و رفاه اجتماعي ، والذي يتمثل بالمعطيات التالية:
• تزخر السودان بمقدار كبير من الموارد الزراعية الطبيعية، والتي تتيح إمكانية زيادة الإنتاج الزراعي وتحقيق مستويات أفضل من الأمن الغذائي إذا ما أحسن استخدام تلك الموارد.
• يعتبر القطاع الزراعي واحداً من بين القطاعات الاقتصادية الأساسية التي ترتكز عليها التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان، من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي وتوفير فرص العمل لقطاع هام من السكان، فضلاً عن مساهمته في توفير المواد الخام اللازمة للعديد من الصناعات .
أرض السودان هي بالفعل من أغنى أراضي المنطقة العربية والعالم خصوبة. كذلك يتميز بموقع إستراتيجي في القارة الإفريقية. لذلك اتجهت الكثير من الانظار نحو السودان كمساحة زراعية غنية يمكن الزراعة فيها بمعدلات هائلة ويمكن أن توفر الكثير من الانتاج الزراعي الذي يكفي لسد الفجوة الغذائية للمنطقة العربية ككل. ويمتلك السودان أراضٍ صالحة للزراعة تمكِّنه من أن يلعب دور اً مهمًا في دعم الأمن الغذائي العربي وأن يساهم بقدر وافر في سلة غذاء العرب، حيث يوجد في السودان ٤٨٪ من جملة الاراضي الزراعية فى الوطن العربي. كذلك يمتاز السودان بموقع جغرافي متميز حيث يجاور تسع دول. كما تتوفر في السودان امكانيات وموارد طبيعية ضخمة وموارد مياه وفيرة.
كل هذا إلى جانب ثروة حيوانية تقدر بنحو ١٠٣ ملايين رأس من الابقار والضأن والماعز.
تقدر المساحة الزراعية في السودان بنحو ٨٤ مليون هكتار أي ما يعادل ٢٠٠ مليون فدان. كذلك يمتلك السودان مراعٍ طبيعية تقدّر بنحو ٤٧ مليون هكتار وموارد غابية بنحو ٧٤ مليون هكتار. ويمتاز السودان بسقوط معدلات أمطار عالية تتفاوت ما بين ٥٠ ملم في الشمال إلى ١٥٠٠ ملم في الجنوب. تنقسم امكانيات السودان المائية إلى قسمين: مياه جارية تقدّر بنحو ٢٨ مليار متر مكعب، ومياه امطار تقدر بحدود ٤٠٠ مليار متر مكعب سنوياً وتقسم أراضي السودان كما يلي:
• الأراضي الصحراوية: وتقدر مساحتها بنحو ٦٦٨ ألف كيلومتر مربع. يقل معدل الأمطار فيها عن ١٠٠ مليمتر سنوياً ويقتصر النشاط الزراعي فيها على رعي قطعان الإبل والماعز كما تمارس فيها الزراعة المروية في المناطق المحاذية لنهر النيل.
• الأراضي شبه الصحراوية: وتبلغ مساحتها بنحو ٢٨٩٨ ألف كيلومتر مربع. تتراوح كمية الأمطار فيها بين ١٠٠ و٢٢٦ مليمتراً في العام ويمارس فيها الرعي وفلاحة المحاصيل المقاومة للجفاف مثل الدخن.
• الأراضي الساحلية: وتقع محاذية للشريط الساحلي على البحر الأحمر وتسودها الأمطار الشتوية وتستغل في رعي المواشي.
• أراضي القوز: وتقدر مساحتها الكلية بنحو ٢٤٠ ألف كيلو متر مربع، ويشمل نشاطها الاقتصادي رعي الحيوان والزراعة المطرية والمختلطة.
• السهول الطينية الوسطى: وتبلغ مساحتها الكلية بنحو ١١٩،٥٠٠كيلومتر مربع. وتتميز بتربتها الطينية وتعتبر من أهم دعامات الإنتاج الزراعي في السودان حيث تمارس فيها الزراعة المروية والزراعة المطرية وتربية الحيوان.
• السهول الطينية الجنوبية: وتمتد في مساحة تقدر بحوالي ٢٤٧ ألف كيلومتر. تنتشر فيها الغابات وتمارس فيها الزراعة المروية والزراعة المطرية والرعي.
• الأراضي الجنوبية الشرقية: تقدر بحوالي ١٠٥ ألف كيلو متر مربع. ترواح معدلات الأمطار فيها بين ٦٠٠ و١٥٠٠ ملم سنوياً. يزرع فيها البن والشاي والفاكهة والغابات كما تستخدم في رعي الحيوان.
• الأراضي الجبلية وتضم: أراضي جبل مرة التي تقع على ارتفاع ١٠٠٠ متر فوق سطح البحر وتقدر مساحتها بنحو ٢٩ ألف كيلومتر مربع. وتتراوح معدلات الأمطار فيها بين ٦٠٠ و١٠٠٠ مليمتر سنوياً. تصلح لزراعة محاصيل لا تصلح زراعتها في مناطق السودان الأخرى، كما تمارس فيها الرعي والزراعة الآلية وكذلك زراعة الغابات.
• أراضي جبال النوبة: وتقدر مساحتها بنحو ٦٥ ألف كيلومتر مربع. تصلح للإنتاج الزراعي الآلي والرعي.
• يمثل القطاع الزراعي في السودان بشقيه النباتي والحيواني قاطرة الاقتصاد الوطني، حيث يلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في السودان ويساهم بنحو ٤٣ في المئة من الناتج المحلي.
وبالتالي فان السودان مؤهل لكي يكون حاضنة للاستثمار الزراعي العربي، وهو يصلح لإنتاج سلع غذائية أساسية كالحبوب والسكر والبذور الزيتية واللحوم والألبان وهذه المنتجات تشكل نسبة كبيرة من قيمة الفجوة الغذائية العربية. ومع تزايد أزمة الغذاء العالمي وانعكاساتها على المنطقة العربية، تزايد الاهتمام بالاستثمار الزراعي في السودان وتزايدت أهمية السودان كسلة للغذاء العربي. فبدأ المستثمرون العرب بالتوجه نحو السودان بحثاً عن فرص الاستثمار الزراعي، و من هذه الدول بطبيعة الحال الأردن والذي تربطه في السودان علاقات اخوية و تاريخية مميزة و متميزة و على كافة المستويات.
يمتلك السودان حوالي ٢٠٠ مليون فدان صالحة للزراعة، أي ما يعادل حوالي ٤٥% من الأراضي الصالحة للزراعة في الوطن العربي، ويزيد من أهمية الأراضي الصالحة للزراعة في السودان توافر المياه اللازمة للزراعة وبكميات كبيرة.
ويعتبر السودان من أغني الدول العربية والأفريقية بثروته الحيوانية والتي تقدر فيها أعداد حيوانات الغذاء( أبقار- أغنام- ماعز- إبل) بحوالي ١٠٣ مليون رأس، إضافة ً إلى ٤ مليون رأس من الفصيلة الخيلية، ٤٥ مليون من الدواجن، وثروة سمكية تقدر بحوالي ١٠٠ ألف طن للمصائد الداخلية و١٠ آلاف طن للمصائد البحرية، إلى جانب أعداد كبيرة مقدرة من الحيوانات البرية. مع ملاحظة أن الثروة الحيوانية في السودان تملك من المقومات الطبيعية ما يتيح لها أن تتضاعف أضعاف ما هي عليه الآن إذا توافرت لها الكوادر البشرية المتدربة والرعاية البيطرية وقبل هذا وذاك التمويل المالي.
أما البترول البترول فتقدر الإحصائيات الاحتياطي النفطي في السودان بحوالي مليار ومائتي مليون برميل معظمها من الجنوب والغرب، وخاصة بإقليم دارفور الذي يطفو على بحيرة من البترول.
و قد أثبتت الدراسات وجود أكبر محزون يورانيوم في العالم كله بإقليم دارفور بجنوب السودان، ويتميز خام اليورانيوم الموجود في السودان بأنه من النوع العالي النقاوة. وتزخر الأراضي السودانية بثروة هائلة من المعادن، حيث توجد بها كميات كبيرة من الذهب والنحاس والكروم والرخام والجرانيت. يضاف إلى كل هذه الثروات الطبيعية والخيرات الهائلة الموقع الاستراتيجي للسودان، حيث تعتبر السودان البوابة الشمالية لوسط وجنوب أفريقيا.
من جهة أخرى ، تشترك السودان بحدود مع تسع دول أفريقية هي: مصر، ليبيا، تشاد، جمهورية إفريقيا الوسطى، جمهورية الكونغو الديمقراطية(زائير)، أوغندا، كينيا، أثيوبيا وإريتريا. كما أنها تطل على البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله حوالي ٧٢٠ كيلو متر.
وقد فطن الغرب إلى خيرات وثروات السودان من زمن ليس بالبعيد فزادت أطماعه في أن تكون ثروات السودان من نصيبه، فبدأ الغرب في تنفيذ مخطط لتفتيت السودان وشغله بالحروب الأهلية لإضعافه وإحكام السيطرة عليه وعلى ثرواته، خوفا من أن يصبح السودان دولة إقليمية قوية وقوة مضافة إلى الوطن العربي، وهو ما يتعارض وبصورة مباشرة مع مصالح الغرب في الشرق الأوسط وأفريقيا.
ومع ازدياد حدة الأزمة المالية العالمية وكثرة تداعياتها على اقتصاديات الدول الكبرى، فإن الوضع يحتاج وبشكل فوري وعاجل الى تحرك عربي واع وفعال للحفاظ على ثروات السودان وكيانه واستقلاله، لكي تكون خيرات السودان وثرواته لأهله، ولأشقائه العرب والجارة افريقيا والعالم اجمع.
المدير العام مركز فرح الدولي للدراسات والأبحاث الاستراتيجية