الولايات المتحدة والمهمة الصعبة!
د. سحر المجالي
21-11-2010 03:23 PM
من أجل إحياء العملية السلمية المتعثرة نتيجة للسياسات العدوانية للدولة العبرية، تداولت الأوساط السياسية والإعلامية مجموعة الضمانات الأمريكية لحكومة « نتينياهو» المتطرفة والتي تتلخص بتجميد الإستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المغتصبة، مقابل» إغراءات» تبدأ بتزويد آلة الحرب الصهيونية بأكثر الأسلحة الأمريكية دماراً تتراوح بدءًا من القنابل الذكية إلى أكثر من عشرين قاذفة مقاتلة من طراز 35 ، وإعتبار الأمن « الإسرائيلي» جزءا لا يتجزأ من الأمن الأمريكي، بالإضافة للدعم اللامحدود للسياسات « الإسرائيلية في المنظمات الدولية ، خاصة الأمم المتحدة، وجعل» الفيتو» الأمريكية في مجلس الأمن عصاً طيعة في يد المصالح « الإسرائيلية». يضاف إلى ذلك العديد من الإمتيازات الإقتصادية التي على دافع الضريبة الأميركي تزويد الخزينة « الإسرائيلية» بها. كل ذلك مقابل وقف الإستيطان الصهيوني في فلسطين لمدة تسعين يوماً لا أكثر...!. وبالرغم من كل ذلك فإن الحكومة المتطرفة في تل أبيب ما زالت تدرس الأمر! وإذا قبلت به، فإن هذا القبول يأتي على إستحياء.
يبدو أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العبرية عام 1948 وحتى اليوم لم تع بعد أهمية السلام في المنطقة، ليس للعرب وحدهم بل لإسرائيل نفسها وشرعية وجودها، ولم تدرك الأخطار المترتبة على رفضها لكل نداءات السلام سواء العربية أو الإقليمية أو الدولية أو الأمم المتحدة وتوصياتها بشان حل الصراع العربي- الإسرائيلي بالطرق السلمية.
لقد بدأت الجهود الأمريكية بشكل جاد مع بداية عهد الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تعتبر في رأي المراقبين أكثر جدية من سابقتها في التعامل مع ملف القضية الفلسطينية. حيث يبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة « باراك حسين أوباما» التقطت الإشارة المهمة والمحورية عن أهمية حل القضية الفلسطينية بناءً على مفهوم الدولتين، لأن إستتباب السلم والأمن في المنطقة يعتبر مصلحة قومية أمريكية. وبالتالي فإن الإدارة الحالية تقوم منذ قدومها للبيت الأبيض ، ولو بسرعة السلحفاة، بمراجعة لسياسات سابقتها تجاه العالم، خاصة فيما يتعلق بمصالحها مع العالمين العربي والإسلامي، هذه المصالح التي لم تأخذها الإدارة السابقة في حساباتها حينما قررت محاربة العرب والمسلمين في عقر دارهم، خاصة أولئك الذين تجرأوا لقول كلمة الحق أمام عنجهية السياسات العدائية الأمريكية تجاه العديد من الملفات الخلافية التي تهم العالمين العربي والإسلامي.
ومن هنا جاءت مهمة « جورج ميتشيل» المكوكية بين العواصم العربية والدولة العبرية لتلمس مخرجاً لحل قضية لم يشهد التاريخ الإنساني مثيلا لها، والمتمثلة في طرد شعب من أرضه وإحلال شتات اليهود مكانه في لحظة تيه قومي عربي وتمزق إسلامي وبمباركة من القوى الإستعمارية المهيمنة على القرار السيادي لشعوب العالم الثالث آنذاك ومنهم العرب والمسلمون.
وفي اللحظة التي لا يستطيع فيها أحد التشكيك في مهنية المبعوث الأميركي جورج ميشيل ومقدرته الدبلوماسية، فهو الرجل الذي إستطاع إنهاء الحرب في أيرلندا، في جمع الفر قاء على طاولة المفاوضات. لقد بدا مهمته بالتأكيد على ضرورة «تهيئة الأجواء المناسبة للبدء على الفور في مفاوضات تنتهي بنجاح» وأهمها وقف الإستيطان بأشكاله المتعددة، بالإضافة إلى اعترافه بشمولية الحل على كافة الجبهات، بما فيها الجبهة السورية، مما يعتبر خطوة في الإتجاه الصحيح، لتحقيق السلام الشامل والعادل، على طريق الحل النهائي للصراع المحتدم منذ أكثر من ستة عقود، إلا أن العقبة الكأداء في طريق احياء عملية السلام والإنصياع للشرعية الدولية هي إسرائيل ذاتها. ومن هنا جاءت المبادرة الأمريكية، غير العادلة، بمكافأة الجاني حتى يسمع آهات الضحية وآنات وجعها.... إنه ضعف العرب وحالة يأسهم المستشري في أوصالهم...!
يبدو أن إسرائيل، وشعورها المفرط بالعنجهية كنتيجة لتحصنها بالقوة العسكرية، واعتمادها على اللوبي الصهيوني في الإدارة الأمريكية، وضعف العرب، وتفكك العالم الإسلامي، يجعلها أبعد ما تكون عن التعامل بجدية مع مفهوم السلام والإيمان به وتجاهل كل نداءات السلام، بما فيها المبادرة الأمريكية الأخيرة.
Almajali74@yahoo.com
(الرأي)