تختلف الأحزاب العقائدية عن الأحزاب البرامجية، فالأيديولوجيا تحتاج مفكرين وفلاسفة ومنظرين، وجميع هؤلاء أصحاب رؤى فكرية مستقبلية، وفعلًا نرى مؤسسين مثل ميشيل عفلق وصلاح البيطار وساطع الحصري إلى جانب جورج حبش ووديع حداد وسيد قطب والنبهاني "حزب التحرير" ويعقوب زيادين وسليمان النابلسي وشفيق رشيدات وعبد الحليم النمر وكثيرون! حتى أعضاء الأحزاب كانوا على قدر من الثقافة والوعي من أدباء وشعراء وفنانين وإداريين وسياسيين، وكانت الحزبية مدرسة لإعداد مناضلين لا مرتزقة وباحثين عن أدوار، وكان لكل حزبي شخصيته الحزبية.
كما لكل حزب ما يميزه من أفكار ومواقف! لا يجوز التغني بهذه التجارب بسبب فشلها، ولكن فشلها كان بحكم القهر الذي مورس عليها-باستثناء الإخوان الذين تعرضوا لقهر خارج الأردن. وفي المقابل تداعت أحزاب كثيرة بذلت جهودًا كبيرة لغواية عدد من الأفراد، وأقول غواية لعدم وجود مبدأ يميز معظم الأحزاب عن غيرها، فحين تسأل من وقع في براثن بعض هذا الأحزاب عن دوافعه يقول لك حب الوطن وبناؤه، والدستور، والقيادة، وهذه أفكار ممتازة إذا كانت هذه الأمور جدلية، ولكنها ليست كذلك لأن القانون يقول كل الأحزاب وطنية وتعمل تحت سقف الدستور! إذن؛ هذه ليست مميزات لحزب لأنها مساحة مشتركة بين الجميع!
وحتى برامج الأحزاب وليس لديها مشروعات مثل، أريد تعديل الدستور باتجاه… وبناء تعليم حديث مستقبلي أو تعليم ديني، وبرنامجي للصحة دعم الوعي الوقائي، وبرنامجي السياسي دعم النقابات وخاصة نقابة المعلمين والمحامين أو حتى عدم دعم النقابات.
هذه ما تميز حزبًا عن آخر! أمّا التسابق وراء من يقودني إلى منصب، فهذه ليست حزبية!. في ظل أحزابنا تحت التأسيس يمكن توقع حزبًا يسحب الجنسية عن شاعر، وحزبًا يرفض فيلم الحارة، وآخر يحمي مجتمعنا من ألفاظ يراها بشعة، وحزبًا يقتل من لا يتفق معه في قانون، وهكذا! وماذا لو استلم حزب الحكم تحت شعار: لا للسينما! أو لا للمرأة أو لا لحقوق الطفل أو لا لأي شيء.
لا أدري هل من دعا إلى الأحزاب أو من هندسها سيبقى راعيًا لها أم سيفطمها في وقت لاحق. لم أسمع حزبًا يتوسّل أعضاءً! ولم أسمع حزبًا يقوده من لا يريد شيئًا!..
لنرّ آخر المطاف، فلعل الدولة تعرف ما لا نعرف! مع أن هناك"من يقرأ الممحي"!.