نجح الاردن وعلى عكس المتوقع باتمام عملية إصدار سندات بالدولار الأمريكي في الأسواق العالمية باسم المملكة بقيمة إجمالية "750" مليون دولار أميركي ولمدة خمس سنوات تستحق ودفعة واحدة في نهاية عمر السندات, وبسعر فائدة سنوي ثابت يبلغ "3.875%" تدفع بشكل نصف سنوي طيلة عمر السندات.
هذا الإصدار الأول من نوعه للمملكة في الأسواق العالمية جاء في ظرف صعب يمر به الاقتصاد الوطني المثقل بالديون والعجز الكبير في موازنة تعتمد جليا على المنح الخارجية, والاصدار سيكون بادارة مجموعة من البنوك تضم بنك جي بي مورغان ومصرف كريدي سويس وبنك اتش اس بي سي والبنك العربي, قد بلغت حصيلة الاكتتابات ما يزيد على (3.1) مليار دولار أمريكي, وأنه قد تم بيع الإصدار بالكامل لمستثمرين زاد عددهم على أكثر من 220 مستثمرا.
صحيح ان الاصدار هو دين جديد على المواطن, لكنه خيار منطقي في ظل الظرف الراهن والتعنت من قبل البنوك المحلية التي بالغت في فرض اسعار فائدة عالية على السندات الحكومية وصلت الى 6 بالمئة في بعض الاحيان.
على أية حال رب ضارة نافعة, قد يكون تعنت البنوك هو امر ايجابي دفع الحكومة للبحث عن مصادر تمويل لسد العجز المزمن بالموازنة وكان الاقتراض الخارجي هو الوسيلة الاكثر نجاعة في الوقت الراهن لعدة اسباب, فالحكومة ستحصل على تمويل خارجي كاف لتغطية العجز من جهة وباسعار فائدة متدنية من جهة اخرى اقل مما هي عليه في السوق المحلية, الا ان الفائدة الاكبر ستكون امام القطاع الخاص الذي ستتاح له هذه المرة فرصة الاقتراض الداخلي بعد ان امتنعت البنوك في العامين الماضيين عن ابداء مرونة في منح التسهيلات وفرضت اجراءات مشددة على عمليات الاقتراض الامر الذي اصاب بيئة الاعمال المحلية بالشلل ودعا الكثير من رجال الاعمال والمستثمرين الى تجميد انشطتهم واعادة هيكلة مشاريعهم بسبب نقص السيولة التي زاحمتهم الحكومات عليها من البنوك.
لكننا في النهاية نقول ان الاصدار يبقى دين جديد لا قبل للحكومات بمواجهته اذا استمرت العقلية الاقتصادية دون خارطة توضح طريقها نحو معالجة جذرية للمديونية التي وصلت الى مستويات غير مسبوقة على الاطلاق (10.5 مليار دينار ), فان كنا مبدعين في عملية الاقتراض فانه من الاولى ان نكون مبدعين في معالجة الدين وتخفيضه لا كنسبة من الناتج المحلي وانما كقيمة مطلقة بالارقام.
نجاح الاصدار يفرض على الحكومة ان تبين موقفها من كيفية سداده والذي سيكون على دفعة واحدة بعد خمس سنوات, فالحكومة نجحت فعليا في تقليص عجز الموازنة لسنة 2010 واوفت بتعهداتها, وسواء أكان التخفيض بسبب زيادة المنح ام بزيادة الضرائب او من خلال تقليص النفقات فان النتيجة كانت هي تخفيض العجز فمن سيضمن استمرار تلك السياسة ?, بمعنى انه من سيواصل عملية الاستمرار بنفس النهج الاقتصادي في سد العجز حتى ولو كان باللجوء للاقتراض. المطلوب هو تبيان الموقف الحقيقي للدولة من مسألة مواجهة العجز والدين, والكل لا يريد ان يرى مشهدا مماثلا لصفقة نادي باريس المشبوهة حين لجأت احدى الحكومات الى شراء جزء من ديون نادي باريس واستخدمت كامل عوائد التخاصية (1.6 مليار دينار) وكان الهدف هو تخفيض الدين الخارجي, لتجد الحكومة بعد اشهر قلية تقبع تحت دين داخلي تضاعف ثلاثة مرات, وكأن الحكومة استبدلت دينها الخارجي بداخلي ساهم سلبا في التنمية الاقتصادية المحلية من خلال احجام البنوك عن توفير التسهيلات للقطاع الخاص بعد ان وجدت زبونا آمنا لها وهو الحكومة.
لعل وجود وزير مالية امثال د. محمد ابو حمور من ابناء المدرسة الواقعية في ادارة الشأن المالي للخزينة يبعث على الاطمئنان انه بالامكانية معالجة جميع التشوهات المالية التي احدثها مجموعة ممن يدعون نفسهم بخبراء اقتصاديين واستلموا زمام وزارة المالية بعد ان تساقطوا عليها بالبراشوت وتفهلووا في ادارة المالية وتسببوا فيما نحن فيه من ازمات يصعب معالجتها في المنظور القريب, بعضهم كان يحلم بالايرادات بانها تأتي من السماء, فقام بتقدير المنح على اضعاف قيمتها الحقيقية وانفق على اعتبار انها قادمة واستدانت الحكومة لتجد نفسها واقعة تحت دين داخلي ونفاد جميع الايرادات المحلية في ثلاثة شهور من توليه لمنصبه, في حين وجد الآخر نفسه في منصب المالية دون ان يملك ليس حدا ادنى من الفهم للمالية فقط وانما فقر مطلق بالاقتصاد, وكما دخل الوزارة فجأة خرجها بزفة وأريحية من الشارع بعد ان وصلت القناعة للشارع العام والمرجعيات بأن وجوده وامثاله اكبر خطر على الاردن.
ابو حمور وزير مالية ابن المالية العامة, وهو من حُماة المال العام ويتعامل مع انفاقه بواقعية بعيدة عن الاحلام, طبعا هذا الكلام قد لا يعجب البعض خاصة تلك الفئة الفهلوية التي تتربص بموقعه وتثير القلاقل والاشاعات في صالوناتها, لكن الحقيقة تقال: الاردن مستقر اقتصاديا بوجود نخبة من ابنائه الصادقين المخلصين في الخدمة العامة, والاقتصاد بخير طالما ان شلة الفهلوة بعيدة عن السلطة ويُفضل ان تكون خلف القضبان.0
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)