أغار من الشعوب التي تطفح سعادة في أعيادها ،كيف تحرص أن تعظم الفرح حتى توصله عنان النفس حتى لو كان عيداً تافهاً مثل عيد الطماطم او عيد «الخبيزة» أو عيد «البطاط وجميد»، يضحكون ملء شدوقهم ،يلتقطون الصور التذكارية في الشوارع وقرب النصب، يمرحون طوال النهار ،ينامون متأخّرين، والانبساط يكاد «يزنبع» من عيونهم وعيون أطفالهم وعيون اللي خلفوهم ..أما نحن «فيا حسرة قلبي».
****
منذ ثلاثين ونحن نزور نفس الأقارب ونفس الجيران، لدينا خارطة طريق ثابتة لا تتغير ، دار فلان وفلان وأبو فلان ثم «نميل» على فلان وبطريقنا فلانة ودقيقتين عند فلان والعودة، نتكلم بنفس العبارات ، ونبادر بنفس المجاملات ، ونطرح نفس الأسئلة و»نغتاب الطقس اذا أفلسنا» «حامية باردة بالليل.شرقية..فيش اشتا» الخ...
منذ ثلاثين عاماً وأحد الذين «نعايدهم» يخرج علينا وصابون الحلاقة على أذنه اليمنى ، لم أصدفه عيداً واحداً بغير هذه الهيئة ، كلما زرناه ؛ في الفطر في الأضحى في عيد الأم في عيد الاستقلال الاّ ويخرج علينا وصابون الحلاقة على اذنه اليمنى..مما يعني أنه لم يغيّر موعد حلاقة ذقنه منذ 30عاماً على الأقل، ونحن لم نجتهد بتقديم أو تأخير موعد الزيارة؟.
وآخر، منذ أن توفّي ابي عام 1987 وهو ينذرنا في كل عيد قائلاً « ترى أنا لاحق أبوكو، هه» فنبادر بالقول : لا من غير شرّ!! ثم يعطينا الأدلة والقرائن بأنه «لاحق ابونا» ويكشف لنا عن ركبتيه و»كوعه» ومكان أبر «الأنسولين» أسفل بطنه ..منذ 23 عاماً - 46 عيد - وهو يقول «انا لاحق أبوكو» ولم يلحق به بعد!!...وثالث لم نزره قط، الاّ و ضغطه نازل..ورابع لم نصادفه في منزله منذ ربع قرن ..في كل عيد يخرج علينا أصغر أبنائه وهو يرتدي «حفاية الوالدة» ويقول» ابوي راح يعايد على عماتي» !! فنقول له: بالله عايد عليه وقل له أولاد حسن أجوك!!..ربع قرن وهو يعايد على «عمّاته»..ربع قرن كفيلة أن يعايد فيها على جمهورية الصين الشعبية!!
في آخر النهار تعود الى البيت ، تخرج من جيبك «كمشة حلو» مختلف ألوانه..ترمي الجاكيت جانباً ، تسأل عن حاصل جمع : «ريتها مقبولة» ..فيعرض عليك كشف الحساب: 3 هبرات +4 عظمات+2 ضلع+ قطعة ليّة...ثم تتمدّد ، بانتظار المنسف الأممي «متعدد الجنسيات» - «لحم روماني على سوداني على استرالي على صيني» - يحتاج الى قاموس ليساعد على هضمه ..ومع آخر ملعقة رزّ تحلّق عبر الخطوط «المليحية» من السدر «النيجل» الى الفم.. ينتهي العيد..
***
في صباح اليوم التالي ..يبدأ شيء آخر يشبهه تماماً.
ahmedalzoubi@hotmail.com
(الرأي)