قلت في مقالة سابقة: إن ثقافة المعلمين تكونت عبر آلاف السنين، وتميزت بأنها استعلائية مظاهرها معرفيّ في التفرد بامتلاك المعلومات، وسلطويّ في امتلاك فائض سلطة وظفها في إدارة الصف والعقوبات والمكافآت، والواجبات، والامتحانات، والترسيب، والتصنيف وغير ذلك. كما شعر المعلمون قديمًا وحديثًا بظلم ناتج عن التباين بين جهودهم والعوائد المادية والمعنوية المحدودة قياسًا لجهودهم.
ومن هنا اعتاد المعلمون على التذمر والشكوى، وانخفاض الروح المعنوية، زاد في ذلك حين شعر المعلمون بوساطة نقابتهم بقوة فائضة، -لا أناقش هنا موضوع النقابة، فذلك موضوع آخر- لكن النقابة ولّدت إحساسًا بالاعتزاز لدى المعلمين؛ سرعان ما أعقبه إحباط شديد! هذا هو واقع المعلم؛ فكيف سيقود عملية الإصلاح، أو يشارك فيها، أو حتى يقبل بدَور تنفيذي فيها؟
هناك اتفاق على أن المعلم هو سقف أي إصلاح، وهذا يعني أن أي تجديد لا يقبله المعلم، أو لم يشارك به، أو لا يفهمه، أو لا يستطيع تنفيذه هو جهد ضائع لن يكون له أثر، ولذلك فإن المطلوب هو:
1- إشراك المعلم في تخطيط المشروع، حيث يشعر كل معلم أنه جزء منه، وهذا يتطلب التنسيق مع ممثلي المعلمين، وهيئاتهم.
2- تغيير ثقافة المعلمين المعادية للتغيير، وحفزهم على التعامل مع الأفكار الجديدة، واختصار مقاومة التغيير.
3- تمكين المعلمين معنويّا، وبناء ثقتهم بقدراتهم وتزويدهم بمهارات تعزز هذه القدرات.
هذه ليست شروطًا لنجاح الإصلاح بل متطلبات أساسية أو مبادئ أساسية.
فما التغيرات أو النقلات المطلوبة لضمان الحصول على دعم المعلمين؟
كما قلت سابقًا: تغييرات في ثقافة المعلم وبالتحديد ما يأتي:
- معلم متعلم يؤمن باستمرار التعلم، وبعدم تكرار مخزونات معرفية سابقة، أو الاعتماد على أساليب معتادة، فكل موقف تعليمي يحتاج إعدادًا جديدًا، وهذا أيضًا لن يتم عن طريق معلم شكّاءٍ، يواجه ظروفًا مادية ومعنوية سلبية. أو معلم منعزل غير مدعوم بمجتمعات المعلمين وهيئاتهم ومنتدياتهم ونقابة مهنية!!
إذن: لدينا مشروعات يعتقد أصحابها أنها إصلاحية، مع أنها تمّت بمعزل عن مشاركة المعلمين، فهل سيكتب لها النجاح؟ من الواضح أن نجاح الإصلاح الحالي حتى لو كان حقيقيّا سيرتبط بجدار المعلمين ومقاومتهم! فقبل أن نتحدث عن الإصلاح نقول: المعلمون هم مبتدأ الإصلاح، ولا داعي لإضاعة الوقت دون ذلك!