حروبنا نحن العرب مع اسرائيل أكثر قدما من الحرب الأوكرانية الحالية أكيد وهي التي انطلقت بتاريخ 24 شباط 2022، ولازالت قضيتنا الفلسطينية كعرب مسلمين ومسيحيين عالقة من دون حل مقنع ناجع منذ عام 48، وحتى قبل ذلك عام 47، والسبب ايدولوجي مرتبط بتوراة ووقائع مزورة، وبهيكل سرابي، وبمشروع جغرافي واسع سخيف مجنون حدوده النيل والفرات، ولعل الحرب الأوكرانية جاءت أو من أحد اسبابها الهامة إبعاد القضية الفلسطينية العادلة عن المشهد الدولي لصالح تأجيج العالم وإشغاله بأزمة دموية ذات علاقة بالحرب الباردة وسباق التسلح والإستنزاف لروسيا وغرب أوكرانيا والغرب تحت ذريعة الدفاع عن سيادة أوكرانيا التي تهم روسيا الاتحادية صاحبة العمق الاستراتيجي وجارة التاريخ المشترك أولا وقبل الغرب الأمريكي، والعالم العربي بأركانه الثلاثة الكبيرة (الخليج والمنطقة الشامية وأفريقيا) قلق على قضيته الأولى الفلسطينية، وتصريحات المملكة العربية السعودية الشقيقة الإيجابية بشأنها ملفتة للإنتباه، وجديرة بالتقدير والاحترام، وفي الوقت الذي وسعت فيه اسرائيل مشاريع سلامها مع العرب، وهو الذي بدأته مع مصر عبر معاهدة (كامب ديفيد 78 79)، ومع الأردن (عام 94 عبر معاهدة وادي عربة)، ومع الامارات، والبحرين، والسودان، والمغرب عام 2020)، اطلقت المملكة السعودية موقفها من السلام العربي – الإسرائيلي بوضوح.
والمعروف بأن المملكة الأردنية الهاشمية الأكثر تأثرا بمجريات القضية الفلسطينية كونها تقع على خط التماس مع السلطة الفلسطينية والضفة الغربية ومع اسرائيل في الجوار، والحلول النهائية في مضمونها ونهاياتها مهمة لنا هنا في الأردن كما أهلنا في فلسطين أولا، وهي مهمة للعرب بكامل عمقهم الأيدولوجي والتاريخي والسيادي، والوصاية الأردنية الهاشمية على المقدسات في القدس تبقى خطا أحمرا وسياديا للأردن، ولقد لفت انتباهي وبقوة التصريح الهام لولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الوزراء في قمة الرياض العربية – الصينية المنعقدة حديثا العام المنصرم وتحديدَا في 9 ديسمبر منه، حيث قال سموه وسمعه العالم بضرورة وجود حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في اقامة دولته المستقلة على حدود 1967 م، وعاصمتها القدس الشرقية، وقدر موقف الصين الداعم لحل الدولتين ومبادرة السلام العربية – (انتهى الاقتباس)، وتبع تصريح سمو الأمير ولي العهد السعودي، تصريح حديث وهام أيضا لوزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان ال سعود عبر مقابلة مع سموه مع وكالة الأنباء الألمانية (د. ب . أ) بتاريخ 2422022 قال فيه: (ان المشكلة الرئيسية هي مشكلة فلسطين، ولم نلاحظ سلاما أفضل بتوقيع المعاهدات مع اسرائيل، ودعا لطاولة مفاوضات فلسطينية – اسرائيلية، وقال سموه إن التطبيع الكامل مع اسرائيل في المنطقة ليس مهما فقط لإسرائيل، بل لنا أيضا، وعنى لكل العرب (والكلام هنا لي)، وواصل سموه قوله بأنه من دون حل المشكلة الفلسطينية سيكون كل شيء هشا ويسهل كسره اذا حدث أي تصعيد، وبأن الوضع في المناطق الفلسطينية صعب والأولوية لإعادة احياء عملية السلام. (انتهى الاقتباس).
وخطاب المملكة العربية السعودية في شأن القضية الفلسطينية العادلة يبقى هاما جدا وفي وقته وزمانه، وعلى العرب ملسمين ومسيحيين التقاط اشارة ضرورة الالتفاف حول قضيتهم الأولى التي أرهق عدم ايجاد حلول عادلة لها كل منطقتنا العربية والشرق أوسطية والعالم، واسرائيل الاحتلالية الاستيطانية العدوانية في المقابل تعرف الصحيح، وتقرأ التاريخ، وتزوره في نفس الوقت، وتضيع وقت القضية ولا تبالي، ولا مكان في المقابل لأن نستمع لمن يروج ولو عن غير قصد لإستحالة حل الدولتين لعدم حاجتنا لتشجيع اسرائيل للتجذيف بإتجاه حل الدولة الواحدة العنصري في زمن صعود حزب الليكود المتطرف والمعادي للعرب وفي مقدمتهم الأشقاء الفلسطينيين اصحاب الحق والتاريخ كما كل العرب وعمقهم الأيدولوجي.
والملاحظ في الحرب الأوكرانية التي اقارن مسارها المعاكس بالقضية الفلسطينية وبالأراضي العربية المحتلة هو أنها مرتبطة بالمد اليهودي القادم من اسرائيل واليها لدرجة أن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي صرح ذات يوم بأن عداء روسيا لأوكرانيا يشبه عداء العرب لإسرائيل، وهو أمر مستغرب أن يصدر عن رئيس دولة مثل أوكرانيا محتاجة لدعم الرأي العام العالمي ومنه العربي، وسفير اسرائيل السابق في بيلاروسيا ألون شوهان حارب في صفوف الجيش الأوكراني ضد الجيش الروسي المحرر لأوكرانيا من التطرف البنديري والأزوفي والحامي لصناديق اقتراع الأقاليم والرقابة الدولية ولخيار شعوب الاقاليم نفسها، واسرائيل وقفت علنا لجانب أمريكا في الحرب الأوكرانية ولازالت بسبب الموقف الروسي العلني والشجاع المساند للقضية الفلسطينية وقضايا العرب الاحتلالية، ولمطالبتها بالقدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، ولكونها تقف الى جانب الوصاية الهاشمية ومع تجميد الاستيطان ومع حق العودة والتعويض.
وأمريكا التي تقارع روسيا بإسم الغرب المغرر به والمتهور عبر تزويد العاصمة الأوكرانية (كييف) بالسلاح الحديث والمال الأسود وبحجم وصل الى مائة مليار دولار، هي نفسها أمريكا التي تعاني من عجز في ميزانيتها وصل الى 2.27 تريليون دولار، وتسحب من مخزون سلاحها في اسرائيل حليفتها الإستراتيجية لتصب محروقاتها فوق نيران الحرب الأوكرانية والهدف الثابت استنزاف روسيا وتحقيق نصر وهمي عليها يتوافق وأحلامها النرجسية، وهي ذاتها أمريكا التي ورطت الخليج العربي بصفقة سلاح مبالغ في قيمتها ووصلت الى 450 مليار دولار عام 2017 لمواجهة عدو وهمي مثل ايران التي تتمتع بعلاقات استراتيجية مع روسيا، وهما المتهمان معا من قبل نظام (كييف) بالتعاون العسكري لمطاردته، بينما هي روسيا لوحدها تمتلك جيشا من أقوى جيوش العالم ان لم يكن الاقوى عسكرة عالميا وعلى المستويين التقليدي والنووي وأيضا على مستوى عسكرة الفضاء.
وللحقيقة وجب القول هنا اذا كان الغرب يتطلع لعدالة القضية الأوكرانية عبر عاصمتها (كييف) فالأولى أن يحدق النظر بعدالة القضية الفلسطينية وقضايا العرب الاحتلالية، ولا معنى للسلام العربي الاسرائيلي من دون زوال الاحتلال الاسرائيلي نفسه، ومن دون قيام دولة فلسطين كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة الى جانب دولة اسرائيل، ونقولها دائما وأبدا وبصوت عال - لا للإحتلال، ولا للإستيطان، ولا لترحيل الوطن الفلسطيني الى أوطان مجاورة وأبعد، والسلام المنشود في منطقتنا يشبه السلام الذي يدور حول أوكرانيا رغم التفسيرات المختلفة، والحقيقة يصعب تحويلها الى سراب، وشعوب العالم على درجة من الوعي والعلم والثقافة والحضارة.