أفاض التراث العربي على حاتم الطائي ، باعتباره رمزاً للكرم ، ومن شعراء الجاهلية ، وأنّه كان جوادا يشبه جوده شعره ، ويصدق قوله فعله ، وأنه حيثما نزل عرف منزله ، وكان مظفرا إذا قاتل غلب وإذا سئل وهب. أما ابنته ، وكان اسمها سفانة ، فأعتبرت من أجود نساء العرب ، إذ كان أبوها يعطيها الضريبة من إبله فتهبها وتعطيها الناس. فقال لها أبوها يوما: يا بنية إن الكريمين إذا اجتمعا في المال أتلفاه ، فأما أن أعطي وتمسكي وأما أن أمسك وتعطى ، فإنه لا يبقى على هذا شيء. فقالت له: منك تعلمت مكارم الأخلاق..،؟
وفي وصف التراث للطائي قيل: (إذا سابق سبق وإذا أسر أطلق) ، وكان إذا أهلّ رجب ، الذي كانت تعظمه مضر في الجاهلية ، نحر كل يوم عشرا من الابل وأطعم الناس واجتمعوا إليه. وكان حاتم قد تزوج (ماوية بنت عفير) ، وكانت تلومه على إتلاف المال فلا يلتفت لقولها. وكان لها ابن عم يقال له مالك ، فقال لها يوما ما تصنعين بحاتم..؟ فوالله لئن وجد مالا ليتلفنه ، وإن لم يجد ليتكلفن ، ولئن مات ليتركن أولادا عالة على قومك ، فقالت ماوية صدقت إنه كذلك.
وكانت النساء يطلقن الرجال في الجاهلية ، وكان طلاقهن أن يكنّ في بيوت من شعر ، فإن كان باب البيت من قبل المشرق حولته إلى المغرب ، وإن كان من قبل المغرب حولته إلى المشرق ، وإن كان من قبل اليمن حولته إلى الشام ، وإن كان من قبل الشام حولته إلى اليمن. فإذا رأى الرجل ذلك علم إنها طلقته ، فلم يأتها ، ثم قال لها ابن عمها طلقي حاتما وأنا أتزوجك ، وأنا خير لك منه وأكثر مالا وأنا أمسك عليك وعلى ولدك ، فلم يزل بها حتى طلقته ، فأتاها حاتم وقد حولت باب الخباء ، فقال حاتم لولده يا عدي ما ترى ما فعلت أمك ، فقال قد رأيت ذلك. قال فأخذ ابنه وهبط بطن واد فنزل فيه فجاءه قوم ، فنزلوا على باب الخباء كما كانوا ينزلون ، وكان عدتهم خمسين فارسا فضاقت بهم ماوية ذرعا ، وقالت لجاريتها اذهبى إلى ابن عمي مالك وقولي له إن أضيافا لحاتم قد نزلوا بنا وهم خمسون رجلا ، فأرسل إلينا بشيء نقربهم ولبن نسقهم وقالت لها انظرى إلى جبينه وفمه فإن شافهك بالمعروف فاقبلى منه ، وإن ضرب بلحيته على زوره ولطم رأسه فاقبلي ودعيه ، فلما أتته وجدته متوسدا وطبا من لبن ، فأيقظته وأبلغته الرسالة ، وقالت له إنما هي الليلة حتى يعلم الناس مكان حاتم ، فلطم رأسه بيده وضرب بلحيته ، وقال أقرئيها السلام وقولي لها هذا الذي أمرتك أن تطلقي حاتما لأجله ، وما عندى لبن يكفي أضياف حاتم..،
فرجعت الجارية فأخبرتها بما رأت وبما قال لها ، فقالت لها اذهبي إلى حاتم وقولي له إن أضيافك قد نزلوا بنا الليلة ولم يعلموا مكانك ، فارسل إلينا بناقة نقريهم ولبن نسقيهم ، فأتت الجارية حاتما فصاحت به ، فقال لبيك قريبا دعوت ، فأخبرته بما جاءت بسببه ، فقال لها حبا وكرامة ثم قام إلى الإبل فأطلق اثنتين من عقالهما وصاح بهما حتى أتيا الخباء ، ثم ضرب عراقيبهما . فطفقت ماوية تصيح هذا الذي طلقتك بسببه نترك أولادنا وليس لهم شيء ، فقال لها ويحك يا ماوية الذي خلقهم وخلق الخلق متكفل بأرزاقهم. وكان إذا اشتد البرد وغلب الشتاء أمر غلمانه بنار فيوقدونها في بقاع الأرض لينظر إليها من ضل عن الطريق ليلا فيقصدها ، ولم يكن حاتم يمسك شيئا ما عدا فرسه وسلاحه فانه كان لا يجود بهما ، ثم جاد بفرسه في سنة مجدبة ، في قصة شهيرة ماتزال باقية في أذهان الناس الى اليوم.
وللكرم العربي التاريخي حكايات شهيرة ووافرة ، تعتبر قصة حاتم الطائي أبرزها. غير أن هذا الكرم ، في العصور الحديثة ، بات يوظف بشكلْ سلبي ، وخصوصا مع تزايد الثروات العربية القادمة من عوائد النفط وفورات أسعاره ، ما جعل صفة الكرم في الشخصية العربية تنقلب الى ضدها ، كرديف للتبذير والإسراف وعدم معرفة قيمة الأشياء.
(الدستور)