تعالوا نصفّق لـ"بنات عبدالرحمن"
د. موسى برهومة
23-01-2023 07:13 PM
لا أبالغ إذا قلتُ إنّ فيلم "بنات عبدالرحمن" يُعدّ من أبرز الأفلام العربيّة التي أنتجت في السنتين الأخيرتين، وإنّه فيلم مشغول بحرِفيّة واقتدار، ما يجعله مصدراً للفخر والزهو، لا مدعاة للحجب والمنع والملاحقة، كما يدعو نوّاب مشغولون بالزّبد المتطاير من وراء الميكروفونات، ومهووسون بإثارة الزّوابع، لا صيانة لـ"الفضيلة" بل رغبة في إعادة تلميع الذّات التي هرّأها الغبار!
الفيلم يقع في صلب "الفضيلة" الحقيقيّة، التي تكشف وتعرّي، لا تلك المزعومة تحت قُبّة العبدلي، فهو يدافع عن حقّ النساء في الكرامة والاستقلاليّة والوجود، وهي حقوق أنكرتها المجالس التشريعيّة، وعملت على وأدها، لكنّ الفنّ ينتصر في النهاية، ومعركة انتزاع الحقوق في الأردن والدول العربيّة سائرة، ولو ببطء، لكنّها تعرف هدفها، ولن تخطئه.
لم أشأ أن تكون هذه فاتحة كتابتي عن فيلم "بنات عبدالرحمن" الذي أخرجه الفنّان المبدع زيد أبو حمدان، وأدّته ببراعة عزّ نظرها، على مستوى أداء الممثّلات العربيّات: صبا مبارك، وفرح بسيسو، وحنان الحلو، ومريم الباشا؛ بنات عبدالرحمن: خالد الطريفي، الرائد الذي علّمنا السحر.
هذه كتابة احتفائيّة (وليست تحليليّة) حول الفيلم الذي وهب قلبي نفحة من الفرح والأمل بأنّنا قادرون على صناعة أفلام بسويّة عالميّة، وأنّ المشكلة ليست في الذّات الخلّاقة، بل في الشروط الموضوعيّة التي تتجسّد على شكل هيئات مرتجفة تنشغل بالثقافة، بل في صناعة الثقافة، لكنّ عينها على السياسة وفرسانها المزيَّفين، وتحدّق بفزع في كلّ زوبعة تجري من حولها، حتى لو كانت في فنجان، أو "كُشتبان"!
زيد أبو حمدان، قدّم فيلمه، الذي قام بكتابته، بشاعريّة تُرفع لها القبّعات. إنّ الكاميرا ترتجل قصيدة حلوة. فقد كان ذكيّاً في السرد، وعرَض فكرته بلا شعارات، وأبدع في اختراق منطقة "التابو" اللعينة فيما يخصّ المرأة وجسدها وكينونتها وطفولتها وأشواقها، ولم يتورّط في أحكام جاهزة. وقد ساندته في ذلك ممثّلات من الطراز الرفيع تفوّقن على أنفسهنّ، وابتكرن أداءً امتزجت فيه العفويّة بالاحترافيّة والتمكّن، وهذه خُطّة شجاعة من المخرج الذي ترك لهذه الطاقات أن تتفجّر على هواها، وأن تتلألأ كجواهر في ليل المرأة العربيّة، من دون أن يكون هناك التزام حرْفيّ بالنصّ، وهذا ما خلق الفرق.
الفيلم بمثابة مرافعة فنيّة شاهقة المستوى، تقدميّة التوجه، إنسانيّة الخطاب، لواقع المرأة العربيّة، من خلال 4 شقيقات مختلفات التفكير والمرجعيّات إلى درجة التناقض، لكنهنّ يجتمعن في بؤرة الألم الذي يتوزّع على كلّ واحدة، ليشكّل في مجموعة "منظومة" التهميش والظلم والنفاق والاستغلال الذي تكابده النساء. وهنا تأتي صرخة فرح بسيسو في نهايات الفيلم، وسبقتها صرخة صبا مبارك، وصرخة فرح الحلو، وصرخة مريم الباشا، لتؤلّف هذه الصرخات البليغة المتمرّدة، احتجاجاً بقوّة زلزال في وجه مجتمع ذكوريّ لا يرحم ولا يفهم، ويتلذّذ في رجم النساء، وحبسهنّ، واعتقال أجسادهنّ وأحلامهنّ.