صراصير على ذمة التزوير!!!
14-07-2007 03:00 AM
أدهشتني طريقة بعض الطلبة الروسيين بمدينة بيكاتيرنبورغ وحنكتهم بتزوير علاماتهم المدرسية المخجلة، فهؤلاء الكسالى الأذكياء يعمدون إلى تربية بعض الصراصير وتجويعها، بعد حبسها على ذمة التشغيل بعلبة كبريت فارغة، وعندما يتسلمون شهاداتهم المستحقة لقصف الركلات وسيلا التوبيخات، يدهنون العلامة المتدنية بطبقة رقيقة جداً من العسل، ثم يطلقون عليها الصرصار المتحمحم جوعاً، فيلعق بشراهة طبقة العسل ويلعق معها الحبر الجاف، الذي كتبت به العلامة المخجلة، دون أن يترك كشطاً يلحظ أو أثرا يكشف!!.
وليس بعيداً عن مطابخ التزوير والتمرير والتبرير، فالمطابخ السياسية الكبرى مخادعة ومزورية كذلك، فربما تطهو هذه المطابخ اللحم على لهيب الثلج!، وتثلج الماء بنار الحروب، وبما أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، ولأنهم لا يكتبون حين يكتبون إلا ما يحلوا لهم ويسر خواطرهم، فعلى المنهزم أذن أن يقرأ تواريخ الآخرين فقط، ويحفظها عن ظهر قهر؛ عله يجد ما يروي تشققات عطشه وشغفه، نحو ماض كان تليداً بين يديه، لكنه لم يفلح بتأريخه وكتابته كما يجب، بل كتبه على صفحة ماء جار: ويا الله كم يخسر من يكتب على وجه الماء!!.
بعض تاريخنا العربي التليد، الذي سجله نيابة عنا الآخرون، بعض هذا التاريخ لم يكن في يوم يحفل بالصراصير وحنكتها اللعقية، بل كل ما كان يحفل به صراصير بشرية تصر وتصدح حد تقطع حبالها الصوتية بالشعارات الباهتة فحسب، ولم يكن من مهامها مسح خيبات أمتنا، بيد الإرادة والتصميم، بل لطختها بخيبات أخرى، حتى تراكمت الخيبات على الخيبات، فجاء تاريخنا ملغوصاً ومخبصاً كطبيخ الشحاذين!!.
ما زلت أحتفظ بكل شهاداتي المدرسية من الروضة للتوجيهي، وكلما عاودني حنين فتح ملفها؛ تنتابني موجة سخط تسونامية على درجاتي المخزية بمادة التاريخ، ولا أدري لماذا كنت طبلاً ودباً في هذه المادة السهلة، التي لا تحتاج إلا البصم والحفظ، لكني وللحقيقة المرة، كنت لا أجيب على امتحانات التاريخ، إلا بطريقة شاعرية وخيالية!، طريقة قد تقلب الحرب حباً، وتشعل الظلام ضياء والظلم عدلاً، وتحيل الهزائم سرباً من الغنائم!!.
ذات سنة تربصت أن أزوّر شهادتي، فحاولت برأس الإبرة أن أشطب علامة التاريخ الهابطة، وأسجلها عالية ترفع الرأس و(تعنقره)، لكن أبي وما أن تصفح الشهادة، بشيء من التمعن والتروي، ثم تصفح سبورة وجهي، حتى قرأ ارتباكي المفضوح، وأدرك عبثي المكشوف بالعلامة؛ فنالني من الركلات ما لم تنسه مؤخرتي للآن!!.
أشتهي أن أربي في جوربي قطيعاً من الصراصير الشرهة، ثم أجيعها حتى يتقادح الشرر من أمعائها، ثم أطلقها ليس على درجاتي المتدنية بمادة التاريخ المدرسي البغيض، إنما أطلقها على صفحات سوداء تتخم دفاتر أيامنا، لأعيدها صافية من غير خدش، فعلنا نكتب من جديد شيئاً يستحق رفعة الرأس، وليس شيئاً يليق به ركل المؤخرات!!!.
ramzi972@hotmail.com