بعدما انتهى اعداد ملفات الاصلاح السياسي والاقتصادي والاداري وبدأت الحكومة التحضير لبرامج تنفيذية بهذه القطاعات تكون ملفات الخدمات الاساسية (الصحية منها والتعليمية) على سلم اولويات البحث لما تعنيه هذه الملفات من اهمية بتقديم العناية اللازمة في الملف الصحي والرعاية المستهدفة في القطاع التعليمي وهو الملف الذي يعول عليه لاحداث علامة فارقة تعليمية كما شكل على الدوام سمة ذات دلالة ميزت الاردن عن غيره من المجتمعات منذ نشأة الدولة واطلاق برنامج التربية والتعليم والذي بات يعرف ببرنامج التعليم التقليدي في العصر الحديث.

ومع دخول العالم الافتراضي للحيز المعرفي ومحتواه الثقافي للمساقات التعليمية تغيرت حواضن العمل التعليمية وتبدلت معه المرتكزات الوجاهية كما تغيرت محددات حيز المجتمع الجامعي والمدرسي واصبحت حواضنه غير محددة بابعاد او معنونة باسوار وحتى سقوفه خرجت عن مكانة الحيز التي باتت غير مبينة باطار نظام المسلكيات للطالب وهي كذلك غير قادرة على حصر معرفته في اطار المعلم والكتاب والغرفة الصفية وكما في المحتوى المدرسي او الجامعي.

هذا لان المحتوى المعرفي اصبح اوسع لدرجة كبيرة لا تقبل سوى التعددية وترفض الاختزال او الخصوصية وكذلك العلوم المعرفية اصبحت متشابكة ومتطورة بشكل سريع كما ان المحتوى الثقافي بات غير مقيد او محكوم بضوابط يمكن وضعها في مسوغ قانوني ضابط او محتوى نظامي رادع ولم يبقى سوى الوازع القيمي الذي يضبط حركة الطالب في مجال محتواه المعرفي الجديد وحواضنه الثقافية المتوافق عليها التي نهلها من تنشأته الاسرية او الاجتماعية.

في حين بقيت مرجعيات التقييم لغايات الشهادة العلمية تأخذ بالطابع النمطي وإن كانت نوعية الخريج بثقافته المعرفية واهليته الاكاديمية باتت مغايرة عن ذي قبل وهذا ما خلق هوة بين العلوم المكتسبة وطريقة التقييم وذلك بسبب تغيير انماط المناهج وتبدل نظم المسلكيات المعرفية وتبدل روافع اسقاطات مجالاته الثقافية المعرفية التي باتت تشكل الحيز الأكبر منها الحواضن الافتراضية.

وحتى يستقيم حال الطالب والمعلم والمحتوى التأهلي الأكاديمي والثقافي فيجب مراعاة هذه المستجدات والعمل على اخذها بعين الاعتبار عند اعادة النظر ببرنامج التربية والتعليم وعند الشروع بوضع استراتيجية التعلم المعرفي الجديدة التي من المفترض ان تدمج ما بين قنوات تلقي العلوم عبر القنوات الافتراضية ووسائل التدريب ومسلكيات العمل عبر الحواضن الوجاهية في محتواها المدرسي او الجامعي.

وهو ما يبرز علامة تحدي كبيرة تقوم على كيفية الاستفادة من وسائل العالم الافتراضي في تقديم المعلومة وبينها بوسائل حديثة وآلية استثمار الحواضن الوجاهية في التدريب والتطبيق تمهيدا لدخول الطالب لسوق العمل، فالشهادة الجامعية ليست غاية ويجب ان لا تكون في ثقافة المجتمع غاية او هدف بل هي وسيلة غايتها الدخول لسوق العمل لتحقيق اضافة تجاه رسالة البناء الوطني في كل المجالات التنموية والنمائية.

ولعل مشروع التعلم المعرفي الذى جاءت رؤيته بالاوراق الملكية يعتبر حجر الزاوية في التطوير والتحديث المنهجي لما لهذا المشروع من اهمية لكونه يقوم بنقل الحاضنة المدرسية الى حاضنة تأهيلية كما ينقل الحاضنة الجامعية الى حاضنة تنموية اخرى حتى تصبح المسافة بين الجامعة وسوق العمل هي مساحة صفرية وحتى لا نبقى نمتلك افواجا من الخريجين وسوق العمل بحاجة إلى تخصصات مغايرة عما تم اعداده في الحواضن الجامعية.

ان مشروع التعلم المعرفي الذي ندعو لترسيمه وذلك المشروع الذى يقوم على اللامركزية الادارية وعلى الإستقلال المالي والاداري للجامعات وهو المشروع الذي يسمح بايجاد مساحة اوسع للمدرسة في العمل والاعداد وايجاد برامج معرفية تمكن الطالب من محتواه المدرسي او الجامعي وتشكل ركنا اساسيا في المجتمع المحلي.

على لأن يلأتى ذلك كله من خلال مشروع تنموي انتاجي داعم لهذا المشروع الذي يرنوا بالمحصلة لترسيخ ثقافة الاقتصاد الانتاجي
منذ التنشأة وفترة الاعداد وذلك بتقديم ثقافة (العمل على السكن) وكما يستثمر بالمجالات الحيوية المعرفية التي باتت متوفرة في المجال الافتراضي ويقوم بالبناء عليها في كل المساقات طلبا للابداع والتميز والابتكار فان العلوم التي لا تضيف على علوم سابقة حالة معرفية جديدة تبقى تدور بعناوين الاستخدام غير القادرة على الاضافة والابتكار الامر الذي نطلع اليه ليكون جزءا اساسيا مما ننشده ونطلع عليه ليكون في مشروع التعلم المعرفي الذي يقوم أساسه على الابتكار في شتى المجالات المعرفية.

إن مشروع التعلم المعرفي، الذي ينتظر منه إعادة تأهيل المدرسة والجامعة واعادة تطوير وتنظيم المناهج ووسائل التواصل واعادة تأهيل المعلم وتمكينه ينتظر ان يشكل عنوانا عريضا في رسالة الانجاز الوطني التي يقوم عليها جلالة الملك المعزز بتطوير النهج في شتى مجالات الحياة ورافد العمل وهو المشروع الذي نرجو ترسيمه في المستقبل المنظور.